جماعات حقوق الإنسان عملاء سريون للولايات المتحدة. حقيقة أم إدعاء؟

يطل فوز دونالد ترامب بالانتخابات الرئاسية الأمريكية على نشطاء حقوق الإنسان كسحابة سوادء لا يلوح منها إلا خيط رفيع من الأمل. فعلى مدار السنوات الأربع القادمة، سيتم تلقيح جماعات حقوق الإنسان ضد اتهامات التآمر والتواطؤ في مكائد السياسات الخارجية للولايات المتحدة.

فور استلام دونالد ترامب لسلطته، لن يجرؤ أي متشكك على إدانة منظمة مراقبة حقوق الإنسان (هيومن رايتس وواتش) أو منظمة العفو الدولية أو ما يماثلهما على المستوى المحلي بتهمة العمل كـ "عملاء للإمبراطورية الأمريكية". ففي نهاية المطاف، رئيس الولايات المتحدة الجديد أعلن موقفه الرافض بوضوح لمبادىء حقوق الإنسان الرئيسية. فدونالد ترامب يدافع عن تعذيب المتهمين في جرائم الإرهاب ويدعو لقتل أفراد عائلاتهم وإنشاء سجل وطني لتسجيل المسلمين المقيمين في الولايات المتحدة وتوسيع نطاق قوانين الطعن والقذف لإخراس وسائل الإعلام وتجريد أبناء المهاجرين ممن ولدوا في الولايات المتحدة من جنسياتهم.

حتى هذه اللحظة، دائماً ما كان يُنظر لجماعات حقوق الإنسان على أنها ضلع متورط ومتواطئ في سياسات واشنطن مما نتج عنه الأذى الشديد لهذه الجماعات. فمنذ أن أعلن الرئيس "جيمس كارتر" دعمه لحقوق الإنسان في السبعينات، بدأ منتقدو السياسات الخارجية للولايات المتحدة باتهام جماعات حقوق الإنسان المدعمة من الغرب بتعزيز الهيمنة الأمريكية بشكل ضمني وغير صريح. وجاء هذا الاتهام بثلاثة أوجه:   

  1. إحدى مدارس المنتقدين ترى علاقة جماعات حقوق الإنسان الدولية بالحكومة الولايات المتحدة الأمريكية  في أوائل التسعينات، بأنهما شريكان توصلا معاً لاتفاق شيطاني فيما بينهما، تقوم فيه جماعات حقوق الإنسان الدولية بدعم الهيمنة الأمريكية العالمية وفي المقابل تقدم واشنطن دعمها لمبادىء حقوق الإنسان ومؤسساتها.  

  2. مدرسة أخرى تتبنى وجهة نظر مضمونها أن كنتيجة لانتهاء التدخل العسكري للولايات المتحدة في  فيتنام، قرر صناع القرار التوقف عن استخدام ذريعة "محاربة الشيوعية" لتبرير تدخلها في سيادة الدول عالمياً واستبدالها بزعم التدخل لحماية "حقوق الإنسان".

  3. بينما تتبنى مدرسة ثالثة وجهة نظر مختلفة تماماُ، فحواها دحض مزاعم جماعات حقوق الإنسان بعالمية  مبادئها، فلب هذه المبادىء من وجهة نظرهم الأفكار والمفاهيم الغربية بشكل فريد، والتى بنشرها يتم ترسيخ الأفكار والمفاهيم السياسية الأمريكية على أنها المبادىء العالمية.

بل وأكثر من هذا. ففي ربيع 2014 قامت مجموعة من الحائزين على جائزة نوبل والنشطاء السياسين والباحثينبانتقاد منظمة مراقبة حقوق الإنسان ومقرها مدينة نيويورك بشكل لاذع لإبقاءها على سياسة "الباب الدوار" مع  حكومة الولايات المتحدة الأمريكية. الدليل الأول على صحة مزاعهم كما قالوا، أن "توم مالينوسكي" وهو مسؤول كبير انضم لجماعة حقوق الإنسان ومقرها الولايات المتحدة في 2001، بعد عمله في منصب حكومي، ليعقب هذا عودته إلى الخدمة الفيدرالية في عام 2013، كرئيس مكتب وزارة الخارجية للديموقراطية وحقوق الإنسان والعمل.  

فطبقاً لما رأته هذه المجموعة من الحائزين على جائزة نوبل، أن تلك الحالات والكثير غيرها يوحي بوجود علاقة وثيقة للغاية تربط منظمة مراقبة حقوق الإنسان بأعلى مراكز صناعة القرار والسياسات في الولايات المتحدة. وحيث أن "المنظور العالمي  له تأثير كبيرعلى قدرة منظمة مراقبة حقوق الإنسان على أداء عملها"، كتب المعارضون معلقين بأن مجرد "الشكل الظاهري الذي تثيره مثل تلك الحالات من شبهات" يُضعف من مصداقية المنظمة، مما دفع رؤساء منظمة مراقبة حقوق الإنسان لرفض ودحض هذه الاتهامات ولكنهم اعترفوا بوجود "وصمة عار ’الإخضاع الغربي’" كعائق لمجهوداتهم في كثير من الأحيان.

وفي الإكوادور ومصر والهند وباكستان وروسيا وفنزويلا وغيرها من الدول، تقوم السلطات بتوجيه الاتهامات  والإدانات المتزايدة لجماعات حقوق الإنسان المحلية منها والدولية بقيامهم بتنفيذ تعليمات واشنطن. كما قام هؤلاء المسؤولون بالتصدي للتمويل الأجنبي لجماعات حقوق الإنسان المحلية، زاعمين أن تلك التمويلات تعتبر انتهاكات  سافرة للسيادة الوطنية.


Pixabay/StockSnap (Some rights reserved)

Survey results from around the world show that adults do not associate “human rights” with “promoting US interests.


ولكن نسبة صغيرة فقط من الأفراد تصدق هذه المزاعم كما تشير أبحاثنا

فعلى الرغم من هذه المزاعم، كما يوضح بحثنا الاستقصائي هناك نسبة صغيرة فقط من الأفراد يصدقون هذه المزاعم ويتبنون وجهات النظر هذه. فقد قمنا بإجراء استقصاءات وجهاً لوجه لعينات مختارة بشكل عشوائي في ست دول في الفترة من عام 2012 إلى 20144.  وتشمل هذه النتائج تغطية محلية شاملة لكولومبيا والإكوادور والمكسيك وتغطية للمناطق الحضرية الرئيسية والريفية في الهند (مومباي ومحيطها من المناطق الريفية) والمغرب (الرباط والدار البيضاء ومحيطها) ونيجيريا (لاغوس ومحيطها).

فلم نجد دليلاً ملموساً على شكوك الأفراد البالغة  في مبادئ أو منظمات حقوق الإنسان فيما يخص دورها كعميلة للولايات المتحدة. (في هذه الأسئلة لم نوجه أي سؤال لقياس رد فعل الأفراد على قضايا بعينها تخص حقوق الإنسان، مثل حقوق جماعة المثليات والمثليين ومزدوجي الميول الجنسية والمتحولين جنسياً، ففي مثل تلك القضايا قد تتبنى مجموعات مختلفة من الأفراد أفكاراً متباينة).  

أول سؤال في هذا الاستقصاء كان "إلى أي مدى تتفق مع ربط مصطلح ’حقوق الإنسان‘ بـ’تعزيز المصالح الأمريكية؟‘" قمنا بتوجيهه إلى أكثر من 9,000 فرداً تم اختيارهم بشكل عشوائي للإجابة على هذا السؤال على مقياس من 1 (لا يوجد ترابط نهائياً) وحتى 7 (توجد علاقة وثيقة).

جاءت معظم الإجابات رافضة للربط بين "حقوق الإنسان" و "تعزيز المصالح الأمريكية"، بمتوسط معدل الربط في الدول الست التى أجرينا فيها الاستقصاء، 3.5 أي أقل من نقطة التوسط وهي 4 على مقياس من 1 إلى 7.

كما قمنا بسؤال الأفراد عن مدى ثقتهم في منظمات حقوق الإنسان وحكومة الولايات المتحدة الأمريكية، باستخدام مقياس بأربعة مستويات والذي لاحقاً عدلناه من 0 (انعدام الثقة تماماً) إلى 1 (ثقة تامة).

فوجدنا أن الأفراد المشاركين أظهروا ثقة في منظمات حقوق الإنسان بشكل أكبر من حكومة الولايات المتحدة. وجاء متوسط معدل الثقة في منظمات حقوق الإنسان المحلية 0.54 على مقياس 0-1 وجاء متوسط معدل الثقة في المنظمات الدولية 0.52؛ أما متوسط معدل الثقة في حكومة الولايات المتحدة فجاء 0.46 فقط (مواطني لاغوس أظهروا ثقة كبيرة في حكومة الولايات المتحدة أكثر من أي مشاركين آخرين، ربما يعود هذا لسياسات نيجيريا الداخلية والتي لا تبدي آراء قوية تجاه الولايات المتحدة بشكل بارز).

 وعلاوة على ذلك، فقد كشف تحليلنا الإحصائي عن عدم وجود أي علاقة إيجابية بين الثقة في حكومة الولايات  المتحدة وبين الثقة في منظمات حقوق الإنسان.

ويأتي إثبات مثل هذه العلاقة كضرورة (ولكنه يظل غير كافياً) لإثبات تشكك المشاركين في اضطلاع جماعات حقوق الإنسان بالعمل مع أو لصالح حكومة الولايات المتحدة الأمريكية.

بطريقة أخرى، الأفراد العادييون لا يصدقون هذه المزاعم على الرغم من تصديق بعض أفراد النخبة لها.

وتشير بياناتنا أن الأفراد إما يؤمنون بأن جماعات حقوق الإنسان محايدة من الناحية الجغرافية السياسية عن الولايات المتحدة  أو يؤمنون بأن هذه الجماعات تميل في عكس اتجاه واشنطن. ولم نجد أي دليل علي تصديق العديد من الأفراد الشكوك المثارة حول جماعات حقوق الإنسان بكونهم مبشرين علمانيين لصالح الأجندة الغربية ومفاهيمها والتي تمهد الطريق للهيمنة الأمريكية السياسية.

بينما تأتي اتهامات جماعات حقوق الإنسان بأنها "خادمات الإمبراطورية الأمريكية" من جانب إما الباحثين الأكاديميين أو القادة السياسيين، والمستبدين منهم على نحو الخصوص ممن يسعون إلى صرف الانتباه عن أفعالهم الشنيعة.

في الشهور المقبلة، في الغالب ستعمل إدارة "ترامب" على توسيع هذه الفجوة بين الحكومة الأمريكية ومنظمات حقوق الإنسان. وكلما نجح "ترامب" ومستشاريه في تبني سياسات معادية لمبادىء حقوق الإنسان، كلما تغيرت وجهة النظر تجاه هذه المنظمات الحقوقية ككيان منفصل بذاته عن واشنطن. وسيصبح من العسير على المتشككين الأكاديميين والسياسيين الاستمرار في انتقاد منظمات حقوق الإنسان غير الهادفة للربح.

وستسفر السنوات الأربع القادمة عن بروز الخط الفاصل بين "حكومة الولايات المتحدة" و"منظمات حقوق الإنسان" بشكل جلي وواضح للعيان.

 نُشر هذا المقال لأول مرة في 29 نوفمبر، 2016 في عمود مدونة قفص القرد (The Monkey Cage)  بصحيفة واشنطن بوست.