يحتاج محاموا المصلحة العامة إلى أدوات جديدة لحماية الضعفاء

عندما فتحت منظمتي أبوابها قبل 20 عاما، كان النظام العالمي الجديد بعد الاتحاد السوفييتي قد بدأ للتو. انتهت الحرب الباردة، وانفتحت الكتلة الشرقية بسرعة على التنمية السياسية والاقتصادية، فتقدّم محامو المصلحة المجتمعية،الذين قمنا بدعمهم بشغف، إلى الأمام كجزء من جهد واسع النطاق لتطوير سيادة القانون والمؤسسات الديمقراطية في هذه المجتمعات المغلقة سابقا.

ومن بين البلدان التي عملنا فيها هي هنغاريا، حيث اعتمد دستور معد على النمط الغربي في عام 1989، وعلى نفس مستوى الأهمّيّة، أنشئت المحكمة الدستورية في عام 1990 - وهي واحدة من أولى المحاكم من نوعها في أوروبا الشرقية. هذه الميزات جعلت هنغاريا مهيأة لتطوير سيادة القانون. وقد حققت جهودنا، وتلك التي بذلتها منظمات مدنية ومنظمات حقوق إنسان أخرى، كانت قد تدخلت في أوروبا الشرقية في أواخر الثمانينيات وأوائل التسعينات، نجاحات ملموسة خلال فترة قصيرة نسبيا. وقام العديد من المحامين الجدد آنذاك بالتمرس في ممارسة المدافعة عن حقوق الانسان في هذه البلدان، في حين تناول آخرون قضاياهم في أمريكا الوسطى وأفريقيا وفي وقت لاحق الشرق الأوسط

في عصر العولمة

اليوم، بلغت نسبة تمركز الثروة مستويات لم يسبق لها مثيل منذ "gilded age"، وهو ما يعرف بالفترة الواقعة ما بين الحرب الأهلية والحرب العالمية الأولى في الولايات المتحدة والتي عرفت أعلى مستويات الفساد السياسي والمالي لصالح الطبقة الغنية. وقد أظهرت أحدث الدراسات أنّ أغنى ثمانية أشخاص في العالم يملكون من الثروة ما يعادل ممتلكات حوالي ال %50 من فقراء العالم. ففي الولايات المتحدة مثلا، وخلال السنوات الثلاثين الماضية، شهدت الإيرادات المصنفة في أسفل ال50٪ حالة ركود، فيما نمت الإيرادات العليا بنسبة 300٪. وفي المجتمعات ذات البنية الاقتصادية المتقدمة، أدى هذا الواقع إلى تكريس حركة "الشّعبيّة" المضادة للمؤسسات كرد فعل من قبل أولائك الذين اعتبروا أنفسهم الخاسرين في عصر العولمة.

Michael Coghlan/Flickr (Some Rights Reserved)

At a time when many public interest and social justice advocates feel disillusioned and in despair, it’s time to rediscover the law’s immense potential.


إن هذا الوصف يظهر طبيعة البيئة التي نعمل فيها. في حين أنها كانت ولا تزال معركة شاقة لمناصري العدالة الاجتماعية، إلا أن الأدوات التي نتدرّع بها اليوم، لخوض هذه المعركة، ليست دائما قادرة على التّصدّي للمظالم التي تضعف المجتمعات وتحد من تجاربها. ومن الأمثلة على هذه الأدوات هي "التقاضي الاستراتيجي"(strategic litigation) و "الفضح وإلقاء اللوم"(Shaming and Blaming) . لقد تمثلت هاتين الأخيرتين بدرجة خاصة من الفعالية لدى استهداف الدول الساعية لتكريس الديمقراطية الشرعية في النصف الثاني من القرن العشرين. أما في وضعنا الحالي فقد أصبح من الضروري البحث عن أدوات جديدة وأكثر فعالية للمناصرة القانونية في القرن الحادي والعشرين. 

لقد استخدم محامو المصلحة المجتمعية تاريخيا جزءا قويا، وإنما محدودا، مما يمكن أن يقدمه القانون، وهو مجموعة ضيقة نسبيا من الأدوات القانونية التي تسعى أساسا للانصاف.

لقد استخدم محامو المصلحة المجتمعية تاريخيا جزءا قويا، وإنما محدودا، مما يمكن أن يقدمه القانون، وهو مجموعة ضيقة نسبيا من الأدوات القانونية التي تسعى أساسا للانصاف. وعلى النقيض من ذلك، فقد استفاد القطاع الخاص من إمكانات القانون الواسعة لحماية مصالح المتعاملين معهم والحد من تعرضهم للمخاطر.وعلى وجه الخصوص، يوفر محامو الشركات خدمة لا غنى عنها لعملائهم من القطاع الخاص من خلال إتقان عملية تحديد المخاطر والالتزامات المحتملة في مسائل متنوعة تشمل كامل عمليات الشركة  كالتمويل والتأسيس، والامتثال للضرائب، وما إلى ذلك.

أدوات جديدة لخدمة المصلحة العامة

يجب علينا اليوم البحث عن طرق مبتكرة لوضع المهارات المتخصصة لمحامي الشركات في أيدي محامي المصلحة المجتمعية. يجب على المنظمات المماثلة لمنظمتي،والتي تسعى إلى تدريب وتمكين مناصري العدالة الاجتماعية أن تطور أداءها في تعليمهم كيفية تحديد واستغلال الخبرات والتجارب القانونية المتوفرة بالفعل في مختلف المجتمعات. إن تمكين جيل جديد من محامي المصلحة المجتمعية من أتقان مهارات المحاماة المختلفة عن التقاضي أي ال"transactional lawyering" وتكريس استخدامها ضمن نطاق المجتمع ولخدمة مصلحته، يؤدي إلى توفير المساعدة القانونيةاللازمة والمتمثلة ، مثلا ، بالتدقيق في العقود والميزانيات واللوائح، خلال عملية المفاوضات أو في مرحلة التخطيط، أي في مرحلة اتخاذ القرارات.
إن الهدف من هذه العملية لا يقتصر فقط على تحقيق المساواة في الكادرات في كل من المجالين (العمل في إطار المصلحة المجتمعية والعمل في إطار خدمة المصالح الخاصة) - بل التوصل إلى نتائج أفضل وأكثر استدامة من خلال توقع المخاطر وامتلاك فن إدارتها، "uncertainties” وتجنب الآثار المحتملة غير المرغوبة. على سبيل المثال، إن المجتمعات التي تواجه مشاكل "الاستيلاء" على الأراضي أو تهديد البيئة من جراء مشاريع إنمائية كبيرة، قد لا يكون من الأفضل أن يخدمها محامو المصلحة المجتمعية المتخصصون باستخدام  الحجج القائمة على المطالبة بالحقوق، ويرجع ذلك جزئيا إلى أن هذه المطالبات كثيرا ما يتم الدفع بها بعد ارتكاب التعدي على الحق. إن الفترة التي يجب خلالها حماية مصالح المجتمعات "الضعيفة" هي الواقعة قبل حدوث التعدي على الحق، الأمر الذي يستلزم المشاركة في عملية صنع القرار، تماما كما تفعل الشركات ومحاموها.
وبطبيعة الحال، إن تأمين هذا الإدراج ليس بالأمر السهل. ولكن تعلم التحدث باللغة الصحيحة - في الواقع، لغة "إدارة المخاطر "- هو جزء أساسي من تمكين جيل جديد من محامي المصلحة المجتمعية لحماية وتعزيز استدامة مجتمعاتهم. 

مجتمع مدني أقوى

إن استخدام هذه الأدوات الجديدة لإدارة المخاطر بشكل أفضل يمكن أن يحمي أيضا مناصري المصلحة المجتمعية أنفسهم. في خضم محاولة الدول ذات السيادة لترسيخ سلطتها المحلية في عصر العولمة، بعض الدول تلجأ إلى إضعاف المؤسسات الديمقراطية لصالح تركيز نظام ديكتاتوري يقوّض النظام القائم. إن اتباع هذا الاتجاه قد ألحق ضررا كبيرا بمؤسسات المجتمع المدني، ولا سيما الجمعيات والمنظمات المناصرة لتعزيز الرقابة على سلطة الدولة. لقد لعبنا دورا كبيرا كمجتمع في تشجيع المحامين على الوقوف، وبجرأة، بوجه مصالح الحكومة والشركات التي تتعارض مع المصلحة المجتمعية. وكانت النتائج مثمرة في بعض الأحيان. وفي أحيان أخرى، أدى اتباع هذا النهج إلى إبعاد وعزل مناصري المصلحة المجتمعية عن باقي المجتمع. إن القوانين التقييدية الجديدة والتي تتصف بقدر كبير من التعقيد، لدرجة أنه يصعب على الحكومات ومسؤوليها وضع آلية لتطبيقها، صنفت المناصرين ك"عملاء أجانب غير مرغوب فيهم" وهددتهم بتهم بيروقراطية ذات دوافع سياسية. فعندما يكون المناصرون أكثر ارتباطا وتفاعلا مع مجتمعهم الأوسع، بما في ذلك جانب القطاع الخاص من المجتمع، يقل احتمال تهميشهم وتهديدهم.

في الوقت الذي يشعر فيه العديد من مناصري المصلحة المجتمعية والعدالة الاجتماعية بخيبة الأمل واليأس، قد آن الأوان لإعادة اكتشاف الإمكانات الواسعة للقانون - فإنه لا يزال يعمل بشكل جيد بالنسبة للبعض. إن الجدار النموذجي الذي يفصل المحامين في معسكرين - الخاص والعام - هو حاجز أمام الإمكانيات وتهديد لاستدامة مجتمعاتنا وقدرتها على الصمود. لقد حان الوقت لنا جميعا أن نعمل معا لهدم هذا الجدار، تماما كما فعلنا عندما سقطت أوروبا المقسمة منذ أكثر من 20 عاما.