جاء إعلان الزيادة الأخيرة، قبل شهر، في تعامل الشرطة بالشوارع الهندية بعنف مفرط على صلة بحظر فيروس كورونا، ليثير تساؤلات هامة حول عمل الشرطة في الهند. الجانب الأبرز هنا هو تدهور العلاقات بين الشرطة والمدنيين، وانعدام الثقة الكامل في قدرة الشرطة على التعامل بشكل ديمقراطي. في حين تلجأ الشرطة الهندية إلى الإفراط في السيطرة والتعامل بعنف وفي اللجوء إلى مقاربات ترتبط بالقانون الجنائي للتعامل مع أغلب الأمور، ففي وقت كهذه الفترة من المهم أن يكون لدى الشرطة تعاطف وتفهم، مع اللجوء إلى سبل غير عنيفة لبناء الثقة والحصول على تعاون الناس. إن الضغوط من أجل حسن الأداء – مع ضغط العمل الكبير والمعاناة من ضغوط كبيرة أخرى – من المرجح أن تفاقم من استخدام الشرطة للعنف أثناء أزمة من هذا النوع.
حتى من يعملون على الخطوط الأمامية لم يتم استثنائهم، إذ تعرض العديد من العاملين بالرعاية الصحية وموردي السلع والإمدادات الأساسية وأعوان خدمات التوصيل للمنازل لمضايقات بدون وجه حق من قبل الشرطة أثناء اضطلاعهم بأعمالهم. ولقد أدى الموقف القائم أيضاً إلى تعريض توفر السلع والخدمات الأساسية للخطر في فترة مبكرة من الحظر. يبدو أن عدم وجود تعليمات واضحة للشرطة حول ما هو مسموح به وما هو غير مسموح به في ظل الظرف الراهن وكيفية التعامل مع ارتباك الناس وتوترهم بشكل إنساني، قد أدى إلى هذا الموقف.
في حين يبدو أن الشرطة تمارس القوة غير المتناسبة ضد الجميع، فالقطاعات الأكثر ضعفاً وعرضة للخطر في المجتمع – كالعادة – هل التي تعاني أكثر. ومن الأمثلة الواضحة تمام الوضوح الأنباء من قبيل تعرض النساء الأديفاسي (من عشائر الشعوب الأصلية) في آسام لاعتداءات غاشمة من قبل الشرطة وهن عائدات إلى البيت ومعهن خضراوات وحطب قمن بجمعه، وكذلك شهادات الشهود المقلقة حول تعقب 40 رجل شرطة لمجموعة من فتية الداليت في غوجارات لاعتقالهم وضربهم وهم في طريقهم إلى السوق. إن التذرع بالتشريعات من قبيل قانون إدارة الكوارث لعام 2005 وقانون الأمراض الوبائية لعام 1897، التي يُعاقب على مخالفتها بالحبس، يجعل الموقف أصعب على الفئات المهمشة التي لا يمكنها عادة تحمل كلفة البقاء في البيت.
ففي وقت كهذه الفترة من المهم أن يكون لدى الشرطة تعاطف وتفهم
مع ظهور موجة غضب عارم ضد تجاوزات الشرطة في ظل الحظر، سارع بعض كبار المسؤولين بالشرطة في شتى أنحاء البلاد إلى التنصل من المسؤولية أو إدانة هذه الأعمال، مع لجوء بعضهم إلى التضحية ببعض رجال الأمن المشاركين في تلك الأعمال. لكن وكما في أغلب الحالات، لم يتعرض عناصر الشرطة الضالعين في العنف ضد المدنيين لعواقب تُذكر. لم يقتصر الأمر على قيام الشرطة وبعض نواب الشعب المنتخبين في بعض الولايات على السماح بتلك الأعمال والتجاوزات وتقبلها، إنما وفي بعض الحالات كافأوا استخدام القوة الغاشمة ضد المواطنين. هناك نائب برلماني في أوتار براديش على سبيل المثال أعلن عن جائزة مالية لرجال الشرطة الذين سيطلقون النار على المخالفين لأوامر حظر التجوال، بل وعرض أن يكتب رسائل للحكومة للتوصية بترقيتهم.
ربما لدى الهند مشكلة "الشرطي المُتجاوِز"، أو ما يُعرف بمسمى "هاري القذر"، إذ قرّ في يقين رجال الشرطة هناك فكرة أن الغايات الطيبة والضرورية تبرر الوسائل "القذرة"، أي أن الوسائل العنيفة واللاإنسانية مطلوبة للحفاظ على النظام العام، وفي هذه الحالة فهي مطلوبة – في رأيهم – لمكافحة فيروس الكورونا.
لكن لا يقتصر الأمر على استخدام الشرطة لهذه الوسائل والأساليب في هذا الموقف فحسب، إذ تمت في الهند "مأسسة" استخدام السبل الغاشمة والقاسية من أجل تحقيق ما يراه رجال الشرطة "الصالح العام". ليس التعذيب والعنف سوى جزء من جعبة أدوات الشرطة في الهند، وتُستخدم هذه الممارسات كثيراً بدعوى "التحقيق" وللمعاقبة ولمنع الجريمة والسيطرة عليها. إن يد الشرطة الهندية قذرة، وهي تزيد قذارة وياللعجب في أثناء أزمة الكورونا.
هذا الوصف – أي "هاري القذر" – صكه باحث علم الجريمة والأخلاق كارل كلوكارس، وهو مأخوذ عن فيلم "هاري القذر"، من بطولة كلينت إستوود، الذي ظهر في سلسلة أفلام بهذا المسمى في السبعينيات والثمانينيات. فكرته عن العدالة تتسم بالعنف وباللجوء إلى سبل مشكوك في صحتها لتحقيق العدل. على مدار السنوات، رأينا تصوير رجال الشرطة العنيفين الذين يتحدثون بمهارة ولباقة في الأفلام وعلى شاشات التلفزيون، في الهند وعلى المستوى الدولي. فضلاً عن هذه التحديات الهيكلية، وإرث فترة الاستعمار وطبيعة عمل الشرطة خلالها في الهند، فهذا ربما سبب آخر لتقبل الجمهور لعنف الشرطة وسيلة لمكافحة الجريمة والحفاظ على النظام في زمن الكورونا، فضلاً عن ضعف إقبال الجمهور العام على أن تتحلى الممارسات الشرطية بالديمقراطية.
لكن الآن أكثر من أي وقت سابق، يجب أن نُذكر النشطاء والحكومات بمبادئ بيليان للإدارة الشرطية الصادرة عام 1829، وينص المبدأ 6 منها على أن:
على الشرطة ألا تلجأ للقوة الجسدية إلا بالقدر المطلوب لضمان مراعاة القانون واسترداد النظام وفقط عندما تكون ممارسة الإقناع والنصح والتحذير قد ثبت كونها غير كافية لتحقيق الأهداف الشرطية (الخط الثقيل من عندنا).
كما أن مبادئ بيليان هي المصدر لنموذج العمل الذي يتمتع بالشعبية المعروف بمسمى "الإدارة الشرطية عن طريق الإقناع"، والذي يعتمد على أدنى حد ممكن من القوة واللجوء لنهج يتحرى الحرص على تقديم الخدمة للجمهور. إن تجريم تحركات الأشخاص في المجال العام ووصف الخروقات للحظر بصفتها جريمة، هي مسألة تستدعي سؤال: هل النهج العقابي للتعامل مع أزمة صحة عامة ضروري ومُبرر؟ لماذا لجأت الدولة إلى عقوبات غاشمة وتهديدات بالمقاضاة على أكثر السلوكيات الإنسانية براءة أثناء أزمة بهذا الطابع؟
كما أن غياب آليات المحاسبة وسجل الهند المؤسف في ضمان العدالة لضحايا عنف الشرطة، لا يبشرا بالخير فيما يخص مستقبل الإدارة الشرطية الديمقراطية في الهند. من المهم أن تسمح الشرطة الهندية لنفسها بأن تتعرض لآليات الإشراف والرقابة، سواء القانونية أو المدنية، لإعادة بناء ثقة الجمهور فيها.
في حين لا يوجد "أشرار" في أزمة الكورونا، فمن المقلق أن الشرطة في الهند تلجأ إلى خلق "أشرار" من أشخاص عاديين لم يرتكبوا جرماً بشعاً. والتقبل الضمني من الناس في الهند لهذا العنف "الضروري" في أوقات سابقة من الهدوء النسبي، هو تقبل مُضر لنا كل الضرر في أوقات الخطر هذه. لقد تم انتزاع تقبل الهنود عبر اللجوء إلى التخويف وإثارة القلق، لا عبر الثقة أو الفهم المتبادل، وهذا يذكرنا مرة أخرى بطبيعة "وباء" أزمة سيادة القانون في الهند.