يرى كثيرون أنه على نشطاء حقوق الإنسان إدخال الدين إلى صلب عملهم وخاصة في المجتمعات شديدة التدين، ولكن مثل هكذا تصرف سيكون شديد الخطورة في دولة كمصر. ففي مصر؛ حيث يصل تعداد المسلمين إلى نحو 90٪ من السكان، تواصل السلطات الترويج لفكرة دولة دينية ترتكزعلى الإسلام. وفي الوقت الراهن -ـ وبعد أن كان أمراً نادراً فيما سبق ـ توجد العشرات من القضايا سنوياً بخصوص محاكمة مسيحيين بتهمة ازدراء الإسلام وغالبا دون تقديم الدليل؛ حيث يكفي أن يقوم شخص ما باتهام آخر. إضافة إلى ذلك، تشير بعض التقارير إلى أن عدداً من السكان كانوا قد منعوا محامي الدفاع من حضور محاكمات هذه القضايا، وفي أغلب الأوقات لم يقم المسؤولون بالتدخل لوقف مثل هكذا احتجاجات.
إن مسيحيي مصر، والذين يشكلون نحو ١٠ ـ ٢٠ ٪ من تعداد السكان، ليسوا وحدهم المستهدفين؛ حيث أن قوات الأمن تقوم بتعقب من يشتبه بكونهم ملحدين للزج بهم في السجن رغم أن الإلحاد لا يعد جريمة مذكورة في قانون العقوبات. كما أن البهائيين في مصر ليس باستطاعتهم ذكر ديانتهم على بطاقاتهم الشخصية؛ فالشريعة الإسلامية تعترف فقط بالإسلام والمسيحية واليهودية.
وعلى الجانب الآخر، قام الداعية الإسلامي أبو إسلام عبدالله بحرق الإنجيل المسيحي علناً مرة مقابل السفارة الأميركية، ومرة أخرى في المحكمة لكنه لم يواجه أي تداعيات لفعله هذا؛ حيث يبدو أنه بإمكانك إزدراء الأديان الأخرى كما يحلو لك طالما أنك تنتمي للدين المهيمن.
لا يقتصر الاعتداء على حقوق المواطنة لدى المصريين على مثل هذه الحوداث فحسب؛ فالمسيحيون ممنوعون من تقلد مناصب عليا في الجيش والشرطة، وفي المؤسسات الحيوية، والوزارات السيادية (مثل وزارة الدفاع، والمالية، والخارجية)، مع وجود استثناء في وزارة المالية التي يترأسها مسيحي. لكنه بإمكان المسيحيين شغل مناصب في وزارات شرفية (مثل وزارة البيئة والثقافة)، وشغل منصب المحافظ، كما أنه بإمكانهم التدريس في الجامعات دون أن يحق لهم ترؤس الجامعات.
Demotix/Jotman (All rights reserved)
A Coptic Christian demonstration against religious violence in Cairo.
وبهدف التصدي للعنف الطائفي المتنامي، أسس قادة دينيون ما يعرف بـ "بيت العائلة المصري"، بهدف التقريب بين الأديان لاحتواء العنف الطائفي والتخفيف من الصراعات الدينية. وتضم هذه الهيئة ممثلين عن الكنائس المصرية وعن الأزهر الشريف (وهو أعلى مؤسسة للإسلام السني ومقرها القاهرة).
ولكن ومن خلال تأسيس هذه الهيئة تمكنت الحكومة من زيادة تعزيز مفهوم القبلية الدينية المبنية على الأعراف والتقاليد بدلاً من تعزيز القانون؛ فمن خلال "بيت العائلة المصري" هذا، تسعى الحكومة لعقد جلسات صلح عرفية لحل أزمات العنف بما فيها تلك الأزمات التي تكون قد أودت بحياة عدد من الأشخاص أو تسببت بتدمير ممتلكات. وبالتالي، يحل رجال الدين محل تطبيق القانون في التوسط لحل النزاعات. إذاً، نادراً ما تحصل ملاحقة قانونية في مثل هذه الحالات، ويجبر الطرف الأضعف على الرضوخ دون حصوله على تعويض. ورغم كون الفكرة وراء إنشاء "بيت العائلة المصري" موضع ثناء، لكن الحقيقة تبقى أن نظام العدالة لا يضع الجناة موضع مساءلة، وكل هذا بدوره يؤدي إلى زيارة التوتر بدلا من تقليله.
أصبح الإسلام الدين الرسمي للدولة منذ تعديل الدستور المصري عام ١٩٧١، وبالتالي ظهرت فجوة حقيقية في الحقوق تبعاً للدين الذي يعتنقه المواطن سيمأ وأن العقيدة الدينية عامل مهم في الوثائق الحكومية. فعلى سبيل المثال تتضمن معظم الوثائق التي يجب على المصريين تعبئتها خانة حول "الدين"؛ ضع إشارة قرب دين آخر غير "الإسلام"، وستتخلى حكما عن عدد من حقوقك. إن كنت غير مسلم، فإنك قد تستبعد من وظائف محددة أو من الترقية الوظيفية، وقد تتأخر معاملاتك، أو أنك لن تتمكن من الوصول لبعض الخدمات. إن هذا التمييز غير رسمي وغير منصوص عليه في القانون، وما هو إلا تقاليد اجتماعية وأعراف مستمرة لا تتم مجابهتها.
إذاً: كيف يمكن لنشطاء حقوق الإنسان في مصر التعامل مع الدين بطريقة بناءة؟
إن العلمانية هي الحل الوحيد للدول التي لا تزال تحبو على طريق الديمقراطية، وإلا فكيف ستتم حماية حقوق الأقليات الدينية؟
حتى وقت قريب لم يكن لدى الأقليات في مصر بشكل عام مؤسسات أو منظمات تدافع عن حقوقهم، ولكن قبل نحو أربع سنوات تأسس اتحاد شباب ماسبيرو على يد شباب وشابات هدفهم الدفاع عن حقوق أقباط مصر الذين يعدون إحدى الأقليات الدينية التي غالبا ما تكون عرضة للاضطهاد. تأسس الاتحاد بعد أن قام عدد من المهاجمين بزرع قنبلة في كنيسة عشية رأس السنة للعام ٢٠١٠، ومنذ الإطاحة بنظام مبارك، أصبح هاجس الاتحاد مراقبة الحوداث الطائفية، إعداد التقارير، ومحاولة مخاطبة الدولة والمسؤولين عبر وسائل التواصل الاجتماعي، وتقديم التقارير للمنظمات الدولية. ولكن جهود هؤلاء الأفراد وتقاريرهم لم تلق نتائج ملحوظة؛ ذلك أن دور الاتحاد بقي قاصراً إلى حد كبير كونه لا يحظى باعتراف الدولة. وسيبقى الاتحاد عاجزاً ما لم تبدأ الدولة بالأخذ بتقاريره على نحو أكثر جدية.
إن العلمانية هي الحل الوحيد للدول التي لا تزال تحبو على طريق الديمقراطية، وإلا فكيف ستتم حماية حقوق الأقليات الدينية؟ إن إدخال الإسلام ضمن الجهود المبذولة في مجال حقوق الإنسان قد يعني أن هؤلاء الذين يؤمنون بأي شيء عدا الإسلام سيكونون في موضع الخطر. ماالذي سيحدث للأقليات الدينية وحقوقها؟ ماذا عن الملحدين؟ هل ستضمن الدولة الدينية حقوقهم؟
إن ربط حقوق الإنسان بالدين قد يخلق كثيرا من الثغرات للدولة وسيقدم الحماية لحقوق هؤلاء الذين ينتمون لمجموعات دينية محددة، وتجاهل حقوق الآخرين.
ما تحتاجه مصر حقاً هو المزيد من الفصل بين الدين والدولة، لا التقريب بينهما.