في الآونة الأخيرة، بلغت حقوق مجتمع الميم وحقوق التوعية بالتوجه الجنسي والهوية الجندرية (SOGIE) مسامع المجتمع الدولي، فأدت إلى مقاومة عريضة من عدة حكومات ومنظمات حكومية وحركات اجتماعية ودينية مُحافظة. هذا التقدم المحرز، وردود الفعل السلبية تجاهه داخل عدة دول، أسفر عمّا أصفه بمصطلح "هومو-كولونيالية": عملية سياسية تنتشر بموجبها حقوق الإنسان الخاصة بمجتمع الميم وتلقى المقاومة.
شهد يوليو/تموز 2016 تعيين أول مسؤول بالأمم المتحدة معني بقضايا مجتمع الميم والتوعية بالتوجه الجنسي والهوية الجندرية، كنتيجة مباشرة لتقرير "ولدنا أحراراً ومتساوين" الصادر عام 2012. هذه الحقوق لا تزال موضع خلاف في الأمم المتحدة، لكنها توسعت وتمددت تدريجياً عبر مختلف الدول منذ التسعينيات، رغم أن الاتحاد الأوروبي لا يزال هو المنظمة الحكومية الوحيدة التي دمجت التوعية بالتوجه الجنسي والهوية الجندرية في إطار عمل حقوق الإنسان الخاص بها. كما أن التوعية بحقوق مجتمع الميم أصبح جزءاً من السياسة الخارجية الرسمية للكثير من الأطراف في الاتحاد الأوروبي، مثل هولندا، فضلاً عن دول أخرى مثل كندا والمملكة المتحدة. قد يبدو أن القبول العالمي لحقوق مجتمع الميم قد أوشك على التحقق. والحق أن المنظمات السياسية المعنية بمجتمع الميم مثل ILGA (الجمعية الدولية للمثليات والمثليين ومزدوجي الميول الجنسية ومتحولو الجنس وثنائيو الجنس)، والحكومات الغربية التي تروج لحقوق مجتمع الميم دولياً فضلاً عن الهيئات بين الحكومية مثل مجلس حقوق الإنسان بالأمم المتحدة، كثيراً ما تصوّر هذا البروز للاستراتيجيات الحقوقية الدولية بصفته الخطوة المنطقية التالية في التوسع التاريخي لتدابير حماية مجتمع الميم. وعلى مستوى التجربة اليومية، فالأمر منطقي أيضاً، إذ انتقلنا من الوصم الاجتماعي والخفاء الكاملين إلى تزايد الظهور العلني وتوفر الحقوق على مدار عقود قليلة، في عدد من الدول.
لكن هناك انقسام عالمي حول تقبل حقوق وهويات مجتمع الميم، إذ يبدو أن الكثير من الدول غير الغربية متأخرة عن الركب (انظر هنا أيضاً). هناك في رأيي قصور كبير في افتراض أن الدول الأخرى عليها ببساطة أن "تلحق بالركب" من خلال التوسع في أطر عمل التوعية بالتوجه الجنسي والهوية الجندرية. المقاربة التي تعتمد على الإحساس بالحتمية أو بالتقدم المنطقي يمكن في حقيقة الأمر أن تحول دون أن تصبح أطر عمل حقوق الإنسان الخاصة بمجتمع الميم موارد نافعة لضمان المساواة، حيثما لم يتم بعد تطبيع التنوع الجنسي ثقافياً وسياسياً. أصف هذا الخطر بمصطلح "هومو-كولونيالية".
أولاً، كما ورد في تقرير الأمم المتحدة، تم عرض حقوق مجتمع الميم مفاهيمياً بصفتها حقوق عالمية، مما يعني الفهم العابر للتاريخ والثقافات للهويات الجنسية وتنظيمها اجتماعياً. في مقابل هذا التأطير، فإن تدويل حقوق الإنسان الخاصة بمجتمع الميم أمر تنتقده حكومات كثيرة، عادة بالتحالف مع حركات دينية واجتماعية محافظة، بصفة هذا التدويل يعتمد على تجارب الغرب، من حيث تشكل هويات مجتمع الميم، ومن حيث التنظيم غير التقليدي للعلاقات الجندرية، ما يؤدي إلى تأطير حقوق مجتمع الميم بصفتها "كولونيالية جديدة" مفروضة من الخارج.
مفهوم "هومو-كولونيالية" إذن يتناول مأزق إعمال حقوق مجتمع الميم في ظل إمكانية فرض الكولونيالية الجديدة للسياسة الغربية، عن طريق اعتماد الفهم الغربي للجنسانية في الحقوق الدولية. هذا واضح في حالة الأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي والسياسات الخارجية للدول التي تروج لحقوق مجتمع الميم وتوفر مسارات لجوء لأفراد مجتمع الميم. فعلياً، فإن الحقوق المفترض أنها "ملحقة" بالهويات الجنسية المعلنة (أو التي يجب أن تكون معلنة قبل المطالبة بتدابير الحماية هذه) والفردية والثابتة عبر اختلاف الأفراد والزمن والمكان هذه السمة العالمية للتنوع الجنسي تُنشر وتُبث في فضاء من العلاقات الدولية، وتعمل بشكل ديالكتيكي ومبدئي على ثقافات "تقليدية" (أقل نصيباً من "النمو"، في الجنوب العالمي، دول مسلمة، القارة الأفريقية، وهذه بعض الأهداف) وأيضاً على الفضاء الذي نبعت منه الفكرة، في الغرب.
يحصل الغرب على طمأنة إزاء سموه الحضاري عبر توفر حقوق المواطنة المنحازة إلى نسخٍ قيمية أكثر وأكثر بشكل مطرد من المثلية الجنسية (مثل زواج المثليين، وتزايد ظهور المثليين في المجال العام، في الإعلام والثقافة) ويتم وضع هذا جنباً إلى جنب مع غياب هذا الظهور في المجتمعات غير الغربية في مختلف أنحاء العالم، بما يشمل المجموعات المهاجرة من الأقليات في الغرب، ما يعني خلق "آخر" في الداخل والخارج، وهو تكنيك كولونيالي كلاسيكي لتهيئة وتكريس قيم الغرب المحترمة والآخر الأجنبي في المقابل. هذه المثلية الاستعمارية (هومو-كولونيالية) إذن تشجع المقاومة الثقافية المحلية وعبر الوطنية لحقوق مجتمع الميم، إذ تعزز فكرة أنها "غربية" ومن ثم غير متسقة بشكل ما مع السياسات المعارضة للكولونيالية ومع الاستقلال الثقافي.
هذا التأطير للمقاومة ظاهر في الحملات السياسية من مختلف مناطق العالم، وانطلاقاً من العديد من مجتمعات المهاجرين، من الأقليات، في الغرب، وفي مختلف دول الكاريبي، حتى بولندا وروسيا (بما يشمل الشيشان) وأوغندا وإيران، وليست هذه إلا بعض الأمثلة. وفي إطار عملية "الهومو-كولونيالية" هذه، يقبل طرفا الخلاف بأن حقوق مجتمع الميم غربية، لكن هناك طرف من الطرفين يراها استعمارية، ما يجعل من الصعب للغاية الدعوة لتقبل إطار حقوقي يعترف بحقوق مجتمع الميم العالمية ويحمي الأفراد ويقر بالاختلافات في كيفية فهم وتنظيم الهويات الجنسية اجتماعياً. إن أي انتشار لحقوق مجتمع الميم يجب إذن أن يقر بهذه الديناميكية، لا سيما عندما يكون نشر الحقوق من حيث المبدأ يستفز التركيز على أفراد مجتمع الميم، بما يضر قدرتهم على التماس الأمان من التحرش والعنف والموت. انظر على سبيل المثال موجة القمع الأخيرة ضد رفع أعلام قوس قزح لدى سفارات كندا والمملكة المتحدة بالعراق، في مايو/أيار 2020.
كيف لنا إذن أن نتحرك بشكل عملي لتفعيل هذا الفهم المفاهيمي المعقد؟ في سياق عملي السابق حول الثقافات الإسلامية والمثلية الجنسية، اقترحت "اختبار الهومو-كولونيالية" لسياسات مجتمع الميم الغربية، كطريقة للتفكير في كيف يمكن للأطر الحقوقية أن تعزز أو تقوض معادلة التنوع الجنسي في الغرب، ومن ثم تقوض أو تدعم محاولات تسليط الضوء على قضايا مجتمع الميم من قبل الأطراف المحلية وليس انطلاقاً من أجندة كولونيالية. الفكرة الأساسية في "الاختبار" أن يكون مرناً ونقدياً حول التحيزات والافتراضات المسبقة في تعزيز الغرب لحقوق مجتمع الميم. على سبيل المثال، هل تفترض المنظمات أن هناك "نموذج" لحقوق مجتمع الميم بناء على التجربة الغربية؟ لعل من الأفضل أن نعرف من المجموعات المحلية ما هي الخصائص المحلية لحركات مجتمع الميم وهويات مجتمع الميم المحلية، وما أوجه الاعتراض التي يواجهها المجتمع المذكور عبر فضاءات الثقافة والسياسة. على سبيل المثال، شهدنا حدوث تقدم فيما يخص حقوق متحولات الجنس في جنوب آسيا على مدار السنوات الأخيرة، في حين ظلت قوانين وسلوكيات معاداة المثلية كما هي. هذا هو عكس أغلب التجارب الغربية ويمكن فهمه فقط من خلال تقاليد الحَجَرة، أو الجنس الثالث في جنوب آسيا، التي "ترجمت" إلى فكرة "متحولات الجنس" الغربية، ومن خلال هذه الترجمة تمت رؤية الهويات المحلية المذكورة على ضوء كونها ثرية ثقافياً وأصيلة، وليست "أجنبية".
كما أن مقاومة انتشار حقوق مجتمع الميم تتباين في حدتها بين الخطابات السياسية والتشريع والعنف المنظم. ففي هذه المجالات المختلفة، من المهم تقييم ما إذا كان طلب كفالة الحقوق لمجتمع الميم مورد يمكّن الحركات المحلية أم لا، وما إذا كان قد يؤدي إلى تحقق مستويات من المقاومة قادرة على شل الحركة. لعل المجموعات المحلية تفضل التركيز على بناء التوافق المجتمعي حول القضية عبر الخدمات والعيادات التي تركز على الصحة الجنسية أو عبر منصات مجتمعية على الإنترنت، بدلاً من تعريف أنفسهم علناً بصفتهم يطالبون بالحقوق، مما قد يستفز رداً قاسياً، مختبئاً وراء عباءة الغضب إزاء "الهومو-كولونيالية". في حين أن المذكور يذكرنا بمناقشات شبيهة في مجال التنمية، وتوفيرها كخدمات مقابل انتهاج مقاربات إنمائية تستند إلى كفالة الحقوق، فربما كان من أكثر المجالات فعالية لعمل حكومة خارجية أو منظمة مجتمع مدني، هو بناء البنية التحتية لحقوق الإنسان عموماً، بدلاً من التركيز على حقوق مجتمع الميم تحديداً.
لقد قادت الكثير من الدول والمجموعات غير الغربية النشاط في الآونة الأخيرة حول حقوق مجتمع الميم، على المستوى الدولي، لكن في أحيان كثيرة للغاية، تعلق المطالبات بهذه الحقوق في حالة من الانتكاس لأنها يُنظر إليها بصفتها تفرض رؤى الغرب حول الهويات الجنسية. من المهم أن نتقدم نحو صوغ مفاهيم ضد-كولونيالية فيما يتعلق بالتنوع الجنسي، بحيث تصبح هذه الحقوق مصدراً حقيقياً للمساواة. وإلا فسوف تبقى حبيسة عملية الاتهام بالهومو-كولونيالية التي تقوض من تمكين حقوق مجتمع الميم عالمياً، ومن نسخ التنوع الجنسي المحلية غير الغربية المختلفة.