إنها حقيقة تناقش قليلا خارج الهند أن النهج الذي تتبعه الحكومة الهندية فيما يتعلق بالتمويل الأجنبي لأعمال حقوق الإنسان يعتبر شديد القسوة، أو أكثر، يماثل روسيا أو التمييز العنصري في جنوب أفريقيا. تستخدم الدولة قانوناً قديماً يتعلق بالتمويل الأجنبي للمنظمات غير الحكومية مثل مشرط الجراح، بعناية ووضوح يخنق المعارضة وتنظم نشاطات مع غير الدول لأي مستوى كبير من التمويل. الحكومات الأوروبية، وجميع المدافعين الحقيقيين عن حقوق الإنسان تؤمن أنه عندما يتعلق الأمر بموغابي وزمبابوي، فإنها تفشل في تحدي دولة الهند في ذلك كون الهند هامة للغاية كشريك تجاري.
وتحت ما يسمى قانون تنظيم التبرعات الأجنبية (FCRA)، يتعين على جميع المنظمات التي تسعى إلى الحصول على التمويل الأجنبي أن تتقدم أولا بطلب للحصول على موافقة من اتحاد وزارة الداخلية. وقد تم تصميم هذا القانون وسنـِّه خلال فترة الطوارئ الهندية 1975/76 لكبت نشاطات المجتمع المدني، خاصة تلك التي تركز على مقاومة الحكم الاستبدادي من قِبل الجماعات الغاندية الطوعية. والدولة الهندية استخدمت هذا القانون منذ ذلك الحين للسيطرة على ما يفعله المجتمع المدني.
وإذا ما قمت بتقديم الطلب للسماح بتلقي التمويل الأجنبي، فإن مكاتب قانون تنظيم التبرعات الأجنبية تنتهي إلى زيارة مسؤولي الاستخبارات إلى مكتبك وللتمحيص في التفاصيل الدقيقة لما تقوم به. ومن الممكن أن تستغرق فترة تصل إلى عامين للموافقة على الطلب أو رفضه، وخلال هذا الوقت يتم زيارتك بشكل منتظم من قبل مسؤولي الاستخبارات. إن تمويل النشاطات التي يحتمل أن تسبب الإحراج للحكومة يتم منعها بكل بساطة ودون أي توضيح.
والنتيجة، على مر السنين، فقد كان هناك نوعاً من الرقابة الذاتية من قِبل مؤسسات الحقوق الهندية. على سبيل المثال، إذا ما كنت منظمة لحقوق المرأة وتقوم بعمل كبير فيما يتعلق بالوفيات المرتبطة بالمهور أو في تعليم الفتيات، فسوف تتعلم أن لا تعمل في قضايا محددة تتعلق بالاغتصاب على أيدي القوات المسلحة في حالات الصراع الداخلي. هذه منطقة محظورة. وينطبق بالمثل على حقوق الأطفال ومنظمات الحقوق القبلية فيما لو حاولت العمل في قضايا تورط فيها الحكومة. إن منظمتي الخاصة، مركز جنوب آسيا لتوثيق حقوق الإنسان، حاولت في الماضي الحصول على مساعدة ثلاث منظمات رئيسية مدعومة من جهات أجنبية لإرسال ممثلات من النساء للتحقيق في اغتصاب النساء في قرية كشمير من كونان بوشبورا. وقامت الجهات الثلاث بلباقة برفض دعوتنا.
التمويل يؤثر على تصورات الاستقلال
يرى المواطن العادي أن المنظمات غير الحكومية ممولة تمويلاً جيداً، إما عن طريق الوكالات الدولية أو عن طريق الدوائر الحكومية الهندية. وينظر إلى متلقي التمويل الدولي بأنه موجود هنالك لتعزيز مصالح القوى الأجنبية. وتخلد وسائل الإعلام الهندية هذه الفكرة وتشجع آلية الدولة الهندية، بغض النظر عن الحزب الحاكم، هذا التصور.
وعندما تقلق الدولة حول المبادرات غير الحكومية التي ستكشف عيوبها، عادة ما يتم تشويه صورة هذه المبادرات بوصفها عمليات مدعومة من الخارج لأهداف شريرة. والاحتجاجات الواسعة النطاق التي حدثت مؤخرا حول محطة الطاقة النووية المخطط لها في كودونكولام، في ولاية تاميل نادو، هي مثال على ذلك. حيث قامت الحكومة بتفسير مقاومة الرواقي من القرويين المحليين وآلاف الصيادين بأنها مدفوعة الثمن بأكياس من المال من قبل قوى أجنبية والتي ترغب في إعاقة الهند من التطور اقتصادياً وأن تصبح قوة عالمية.
لحسن الحظ، فإن النشاطات الغير حكومية في الهند متنوعة. فالعديد من القطاعات الغير حكومية تحاول أن تميز نفسها عن مؤسسات الدولة أو المؤسسات ذات التمويل الأجنبي بأن تطلق على نفسها المنظمات التطوعية أو المنظمات المجتمعية. وفي الواقع، فإن منظمات الحريات المدنية الرئيسية ومنظمات حقوق الإنسان في الهند لا تقبل التمويل الأجنبي أو تمويل الحكومة الهندية للحفاظ على استقلالها، كما كانت سياسة منظمة العفو الدولية على الصعيد العالمي في فترة الستينات والسبعينات والثمانينات.
والعديد من هذه المنظمات، من قبيل الاتحاد الشعبي للحريات المدنية (PUCL)، والاتحاد الشعبي من أجل الحقوق الديمقراطية (PUDR)، ولجنة آندريه براديش للحريات المدنية (APCLC)، على سبيل المثال لا الحصر، قد تناولت قضايا الحريات المدنية في جميع أنحاء البلد، وغالبا مع وجود خطر كبير على الناشطين والأعضاء فيها. وهم يعملون بميزانيات ضئيلة، يتم جمعها فقط من خلال رسوم العضوية والتبرعات الصغيرة. والمنظمات التي يتم تمويلها بهذه الطريقة تمكنت من تسليط الضوء على مجموعة من قضايا حقوق الإنسان والحقوق الديمقراطية على مدى عقود.
أين هم المحسنين الهنديين؟
فصحيح أن بإمكانهم القيام بأكثر من ذلك بكثير مع تمويل إضافي. وبإمكان قادة الأعمال ضخ الأموال في هذه المنظمات، ولكن أولئك الذين يميلون إلى ذلك كارهين القيام بتمويل نشاطات تتحدى الدولة. والبعض يكون بين المحسنين المليارديرين الهنديين الراغبين في دعم أعمال حقوق الإنسان المعنية بمسائل التعذيب، والإعدام خارج نطاق القضاء أو المحاكمات العادلة، بيد أنهم يعلمون أن أعمالهم سوف تدفع الثمن نتيجة لذلك. فربما يبدءون بتلقي استفسارات ضريبية متكررة، والعقود الحكومية تجف فجأة، ومن الممكن رفض القروض المصرفية، وطلبات الحصول على مواعيد مع المسؤولين الحكوميين لن تلقى أي تجاوب.
لذلك على الرغم من أن تمويلهم بسيط، فجماعات حقوق المجتمع لديها حرية طرح الأسئلة الصعبة والتي لا يتمتع بها نظرائهم من ذوي التمويل الأجنبي. حتى أن أحد هذه المنظمات، الاتحاد الشعبي من أجل الحقوق الديمقراطية، لديها سياسية تقضي بعدم قبول أي تبرع يزيد عن 3000 روبية من أي مصدر واحد كوسيلة لضمان استقلالها.
إن الدولة الهندية تدرك أن الاتصال المنتظم مع مسؤولي الاستخبارات لا يترافق فقط مع الامتثال لأجهزة الدولة بل يساعد أيضا أجهزة المخابرات في تجنيد العملاء والمخبرين. ويشك الناشطون أن بعض جماعات حقوق الإنسان قد تم اختراقها من قبل الأجهزة الأمنية. وهذا حقيقي فقط في عدد ضئيل من المنظمات غير الحكومية، ويدل حتى الآن على ما تعيّن على المنظمات الشقيقة القيام به من أجل تأمين التمويل الخارجي أو تمويل الحكومة أو رعايتها.
الطريق إلى الأمام
وفي الوقت نفسه، فإن المنظمات التي حاولت أن تدفع الحدود باستخدام التمويل الأجنبي، من قبيل منتدى العمل الاجتماعي الهندي مع الاحتجاجات الأخيرة التي قام بها ضد مشروع محطة الطاقة النووية في كودونكولام، وجدوا ببساطة أن تصريحهم للحصول على تمويل خارجي قد تم تعليقه. وحسابات منتدى العمل الاجتماعي الهندي البنكية قد تم تجميدها، وقد تعرضت إلى تحقيق مطول، وتم شل المنظمة بفعالية. كذلك المراقبة الشعبية لتاميل نادو التي ساهمت أيضا في تلك الاحتجاجات، تم منعها أيضا من تلقي التمويل الأجنبي.
ويتحدى منتدى العمل الاجتماعي الهندي قرار الدولة في المحاكم، بحجة أن قانون الحصول على تمويل أجنبي يتعارض مع فصل الحقوق الأساسية في الدستور الهندي.
ويتعين على حكومات البلدان المانحة استخدام دبلوماسية عامة أكثر شجاعة لدعم المنظمات الشجاعة في تحديها للسياسات التقييدية التي تفرضها الهند على التمويل الدولي.
وحتى تحدث الضغوط الخارجية تغييرا في قانون تنظيم التمويل الخارجي، فإن المجتمع المدني الهندي عالق حاليا بين المنظمات غير حكومية التي تخضع لرقابة شديدة مع تمويل أجنبي كبير والمبادرات المحلية المستقلة ذات التمويل المحلي المحدود. يتعين على المنظمات الممولة محليا أن توسع قاعدة الدعم المقدم من المانحين المحليين من أجل أن تنمو. ومع ذلك، فإن ذلك من غير المحتمل، بأن يكون مثمرا مثل التمويل الذي يأتي من المانحين الأجنبيين.