ماذا تعني كلمة "تدويل" لدى الحركات الشعبية ولمصلحة أي طرف من الأطراف؟ هل تعني جمع حفنة من البشر ينتمون لمنظمات غير الحكومية صغيرة الحجم على طاولة الاجتماعات مع المحسنين من أصحاب المليارات ومديري المؤسسات التنفيذيين و الأكاديميين ليعلنوا أن هناك "أفارقة داخل الغرفة"؟ هل هذا يجعل من حركات الدفاع عن حقوق الإنسان جامعة؟
في أفريقيا، نحن نعمل على القضايا المعقدة والتي يمكن أن نحقق من خلالها تقدماً بارزاً لكن هذه النجاحات ليست ملائمة إذا بذل المتبرعون استثمارات قليلة أو ناقصة. يحتاج الممولون العالميون إلى أن يدركوا أن الاستثمارات في مجال الدفاع عن حقوق الإنسان لابد أن تكون استراتيجية. ولكي تكون الاستثمارات استراتيجية ومناسبة، لابد أن يقوم المستقيدون الفعليون بالإعلان عنها وأن تفي بالاحتياجات التي يعبر عنها هؤلاء الأشخاص.
نحن نرغب في أن يقتنع الممولون الدوليونأفكارنا واستراتيجياتنا و في دعمها لأن هذا سوف يسمح لنا بالقيام بما نحتاج إليه وبالطريقة التي نحتاجها. يحتاج الممولون الدوليون إلى الاستماع إلى أنفسهم وأن يستمعوا إليها بصفتهم داعمين للمجهود الذي يحتاج إلى دعم. لابد أن تدرك المنظمات الواقعة خارج أفريقيا أنهم لا يستطيعون بالفعل إداراك الأولويات الخاصة بالحركات الأفريقية، لكنهم يعرفون حق المعرفة هوية المؤسسات التي تدرك الأولويات، كما أنهم يستطعون تكوين شراكات موثوق بها ومحترمة معها. بغض النظر عن مدى سلامة قصد متبرعي الشمال أو المنظمات الدولية، فإنهم ليسوا بأفارقة كما أنهم ليسوا نشطاء أفارقة يدافعون عن حقوق المثليين ومزدوجي الميول الجنسية والمتحولين جنسيًا والمخنثيين ويعملون على الأرض الأفريقية.
Shutterstock/Jim Vallee (All rights reserved)
Foundations outside of Africa must recognize that they cannot truly know the priorities of African movements, but they do know organisations that know the priorities, and they can make honest, respectful partnerships with them.
نحن ندرك ما هو المهم لأننا لسنا فقط نعمل في هذا المجال ولكننا نكون المجال بذاته. نحن ندرك تماماً ما يمكننا أن نحقق. نحن ندرك تماماً كيف يمكننا أن نكون نافعين للمجتمع لأننا ضمن إطار الحركات التي ننتمي إليها كما أننا جزء منها. نحن لا نناضل في وجه مشكلة وجودية تتعلق بكينونتنا أو ما إذا كنا وثيقي الصلة بالقضية. نحن نعلم وجهتنا بالتحديد.
يحتاج العمل في مجال حقوق المثليين ومزدوجي الميول الجنسية والمتحولين جنسيًا والمخنثيين إلى تمويله باستمرار. لا تساعد مجموعة دعم الطوارئ المقدمة لمرة واحدة أو دعم المشروع لمدة عام إلى عامين على نحو مستدام وقد يكون له نتيجة عكسية. نحتاج إلى أن نبدأ التفكير طويل الأجل لأن خصومنا يستثمرون بالفعل على المدى الطويل. انظروا إلى المسيرات المناهضة للأطفال المثليين التي دعمتها حكومة موسيفيني في كمبالا، على سبيل المثال. يعد اليمين المسيحي العالمي قوة نافذة لابد لنا أن نتنافس معها. يستثمر الأمريكيون والجماعات المسيحية الأجنبية الأخرى بجدية في مجال العمل للتصدي للمثليين ومزدوجي الميول الجنسية والمتحولين جنسيًا والمخنثيين، وهم متواجدون في أفريقيا لأجل بعيد. يستثمر هؤلاء في جيل قادم متصدٍ للمثليين ومزدوجي الميول الجنسية والمتحولين جنسيًا والمخنثيين، الجيل الذي سيحتل الفراغات الأكاديمية و السياسة والهيئات التشريعية والقضائية في قارتنا الأفريقية. من شأن هذا أن يجعلنا نتوقف لأنه لم تبذل استثمارات مشابهة في حركات أفريقية مشابهة للدفاع عن حقوق المثليين ومزدوجي الميول الجنسية والمتحولين جنسيًا والمخنثيين. وبدلاً من الاستثمار من أجل إجراء تغييرات نظامية أو هيكلية أو في إصلاح السياية والقانون وتأسيس الحركات وتقوية المجتمع المدني أو العدالة الاجتماعية، إلا أن تدفق التمويل ضحم على السلامة والإغاثة.
تحتاج الحركات الأفريقية إلى التشبث بقوة الآن أكثر من ذي قبل وسوف تستخدم حقوق المثليين بصفتها قضية شائكة على نحو متزايد. تحاول المنظمات الأفريقية التصدي لذلك لكن باستخدام مبالغ مالية صغيرة باذلين أوقاتهم في جمع التبرعات. إذا توفر مستوى الاستثمار الذي نحتاجه بالفعل، ربما تمكن النشطاء الأفارقة من وضع استراتيجيات وتحقيق المزيد والمزيد من الإنجازات.
المشكلة تكمن في أن العديد من المتبرعين من الغرب لا يزالون ينظرون إلى أفريقيا بصفتها "القارة المظلمة"، مكان يشعرون فيه بالرعب وعدم الارتياح والارتياب.
وبالتالي، لماذا لا يستثمر الممولون الدوليون أموالهم بشكل مستدام؟ المشكلة تكمن في أن العديد من المتبرعين من الغرب لا يزالون ينظرون إلى أفريقيا بصفتها "القارة المظلمة"، مكان يشعرون فيه بالرعب وعدم الارتياح والارتياب. إنهم لا يعرفون بمن يثقون ولا يعتقدون أن المنظمات المحلية مؤهلة بالفعل للحصول على تلك الثقة. كما أنهم يفضلون أن يستثمروا أموالهم في المنظمات العالمية للدفاع عن حقوق الإنسان، التي سوف ستباشر في تحديد هوية "الشركاء المحليين الموجودين على الأرض" والعمل معهم. وبدلاً من الاستثمار المباشر في استراتيجية وضعها الأفارقة، فعلى سبيل المثال، يدفعون لبعض الأفارقة لقاء ذهابهم لحضور إحدى ندوات وضع الاستراتيجيات في جنيف أو نيويوركالتي نظمتها المنظمات الواقعة في الشمال.و حين وصولهم ، من المرجح أن يبلوروا جدول أعمال من تكبد تكاليف سفرهم.
لابد أن نتصدى لهذا الخوف من التفاعل . لا يسعنا الوقت لترك الخوف يعيقنا. مرر قانون مكافحة المثلية الجنسية في وقت مبكر من عام 2014 في أوغندا، ودعمت مبادرة شرق إفريقيا للصحة والحقوق الجنسية على الفور النشطاء المحليين في تحدي حكومتهم في المحاكم الدستورية الأوغندية. كان هذا استثماراً ضخماً، لكننا كنا نعلم أن هذا هو الاستثمار الصحيح وأتى أكله: ألغي القانون، لكن الممولين العالمين الذين لديهم القدرة على بذل استثمارات ضخمة شعروا بالخجل والقلق حيال الاستراتيجية التي اخترناها. فضل الكثير منهم التحدث عن دعم جهود الإغاثة بدلاً من ذلك.
ثم هناك الخوف من المساءلة الأفريقية. يُعد هذا أحد المخاوف المخيبة للأمال كذلك لأنه عندما تنظر إلى مبادرة شرق إفريقيا للصحة والحقوق الجنسية كمثال، لم تكن عمليات التدقيق المالي وأنظمة الرقابة الداخلية تشوبها شائبة، وقامت بها جميعها شركات التدقيق العالمية باستخدام معايير المساءلة الدولية. وبالتالي فإنه ببساطة ليس من الصائب أن نقول أنه لا توجد آليات للمساءلة.
نحن نعاني أيضاً من فجوة سريعة التقلص في المجتمع المدني الأفريقي. تتمثل احدى الطرق المهمة التي يمكن أن تسهم بها حركة الدفاع عن حقوق المثليين ومزدوجي الميول الجنسية والمتحولين جنسيًا والمخنثيين في التصدي للاضطهاد في الحصول على موارد كافية لجذب المنظمات التي تمثل الاتجاه السائد إلى فضاءنا وليس العكس. ويتطلب هذا الأمر وجود استثمارات لا تفسح مجالاً للخوف. تفرض حركات الدفاع عن حقوق المثليين ومزدوجي الميول الجنسية والمتحولين جنسيًا والمخنثيين في الشمال ما يرقى لمستوى الاستثمارات ذات الصلة بشعوبهم. وعلى نحو مماثل، لابد لنا أن نبدأ في الاستماع إلى الأفارقة وفي الاستثمار فيهم.
إذا كان أكبر المتبرعين لدعم قضايا حقوق الإنسان يريدون حقاً تدويل حركة الدفاع عن حقوق الإنسان، فلابد لهم أن يبدأوا في أن يأتمنونا على أموالهم. نقل الدعم إلى الأسفل من مجموعة إلى أخرى من نيويورك إلى أفريقيا في سلسلة التمويل لن يجدي نفعاً. تحصل كل مجموعة على جزء من المبلغ، وبالتالي يتضاءل المبلغ، لكن تتزايد الالتزامات المتعلقة بإعداد وتقديم التقارير والمحاسبة. و تختفي قدرة المجموعات المحلية على السيطرة وعلى العمل بفعالية. هذا النوع من استراتيجيات "الاتصال المقطوع" التدريجية لن تحقق المرجو منها إذا وجه التمويل في الاتجاه المعاكس، من نيروبي إلى نيويورك. لماذا إذاً نعتقد أنها لن تجدي نفعاً في أفريقيا؟
. هذا النوع من استراتيجيات "الاتصال المقطوع" التدريجية لن تحقق المرجو منها إذا وجه التمويل في الاتجاه المعاكس، من نيروبي إلى نيويورك. لماذا إذاً نعتقد أنها لن تجدي نفعاً في أفريقيا؟
الإعانات الضئيلة وقصيرة الأجل لا تمثل دعماً كافياً لإعداد الأفارقة لنطاق العمل الضروري لتحسين ظروفهم. لا بد أن نوفر للمنظمات الأفريقية استثمارات ضخمة ودائمة لخلق فرق حقيقي في الاستراتيجية. كفانا فتاتا.