للحركات الاجتماعية دور بالغ الأهمية في تحقيق التغيير، لكن كيف يمكن بناء حركة اجتماعية قوية ومستدامة؟ وربما كان السؤال الأهم من ذلك هو: ما هي سمات الحركات الاجتماعية القوية وكيف يمكن تقييم ما إذا كانت الحركة تزداد قوة؟ وحين بدأ الصندوق العالمي للنساء يسأل هذه الأسئلة، وجدنا أنَّ معنى "بناء الحركات" يختلف باختلاف الشخص الذي يُوجَّه إليه السؤال. وبدأنا استعراض الدراسات المعنية بالحركات الاجتماعية من أجل التوصُّل إلى فهم أفضل للكيفية التي تنمو بها الحركات ولأنواع القدرات التي تحتاج إليها الحركات الناجحة.
وكان الدرس الأول الذي استخلصناه من هذا الاستعراض للمؤلَّفات هو أنَّ الجهات المموِّلة إذا أرادت أن تقدِّم دعمًا أفضل للحركات، فإنَّ عليها أن تكوِّن فهمًا أكثر شمولاً لمواطن قوتها واحتياجاتها وأولوياتها. وفي حين توجد بالفعل أدوات لتقييم قدرات الشبكات والتحالفات، فلا توجد أدوات تناسب الحركات. فبخلاف الشبكات والتحالفات، لا تكون للحركات نقاط بداية أو نهاية واضحة، ولا إطار محدَّد رسميًّا للعضوية، وتخضع هياكلها الداخلية للتغيُّر المستمر. وإدراكًا من الصندوق العالمي للنساء للحاجة إلى نوع جديد من الأدوات يأخذ هذه الخصائص في الاعتبار، فقد سعت العاملات بالصندوق إلى تصميم أداة لتقييم الحركات التي يدعمها الصندوق. وسرعان ما أدركنا أنَّ عملية التقييم تحتاج إلى أن تكون عملية تشاركية — فلا يمكن تقييم الحركات القائمة على الناشطين من دون مشاركة الجهات الفاعلة في تلك الحركات.
وتيسيرًا لهذه العملية، فقد أعدَّدنا أداة عبر الإنترنت للتواصل مع جهات فاعلة في طائفة متنوعة من الحركات من أجل التفكير في مواطن القوة في حركاتهم والتحديات التي تواجهها، والأهم من ذلك، مساعدتهم على تحديد ما يريدون فعله بما ينتهون إليه من الملاحظات. وتحتوي الأداة على أسئلة قائمة على الاختيار من إجابات متعددة بهدف تجسيد تصورات المجيبين عن حركاتهم فيما يتعلق بسبعة عناصر: (1) القاعدة الشعبية، (2) والتسلسل القيادي، (3) والتعاون الداخلي، (4) ووجود أجندة سياسية جماعية، (5) واستخدام استراتيجيات متعددة، (6) والبنية الأساسية الداعمة، (7) ووجود قدرة جماعية قوية على ضمان سلامة المدافعين عن حقوق الإنسان وأمنهم. وبالإضافة إلى ذلك، يحدِّد المجيبون المرحلة التي تمرُّ بها الحركة في تطوُّرها والمجالات ذات الأولوية التي تحتاج إلى التعزيز. ومع ذلك، فالانتهاء من التقييم ليس هدفًا في حدِّ ذاته — بل هو نقطة البداية لإجراء مناقشات نقدية والقيام بتدخُّلات داخل الحركة.
الانتقال من الإدراك إلى العمل
في أوكرانيا، شعر الصندوق الأوكراني للنساء أنَّ الافتقار إلى الحوار والتعاون فيما بين المنظمات المعنية بحقوق النساء التي توجد في مناطق مختلفة أو تضمُّ أجيالاً مختلفة يحول دون نمو حركة حقوق النساء من حيث القوة والتأثير. وأراد الصندوق الأوكراني للنساء أن يجرِّب استخدام أداة التقييم كوسيلة للكشف عن هذه التحديات بطريقة تشاركية وتعزيز الحوار بين الجهات الفاعلة الرئيسية في الحركة النسائية. وفي نهاية المطاف، جمع الصندوق 115 ردًّا من 77 منظمة و38 ناشطة فردية من أجزاء مختلفة من البلاد. وعرض الصندوق النتائج المجمَّعة على المشاركات في 4 اجتماعات إقليمية استُخدمت فيها البيانات لإطلاق العنان لمناقشات صعبة وإنما بالغ الأهمية بشأن الحركة.
وكنا في الصندوق نتوقع من المنظمات أن تدخل في جدال مع بعضها البعض، ولكنَّنا فوجئنا بأنَّ الجميع كانت لديهنَّ الشواغل نفسها، ولا سيما أهمية التعاون داخل الحركة ومع الحركات الحليفة، والحاجة إلى تعزيز دعم البنية الأساسية للحركة وإيجاد قيادات جديدة، والحاجة إلى اجتذاب المزيد من النساء الشابات إلى الحركة.
وبعد أن لاحظنا أن وجهات النظر النساء الشابات لم تمثَّل جيِّدًا في المجموعة الأصلية من المجيبات، فقد نشرنا الاستطلاع على ناشطات نسويات شابات كنَّ قد شاركن في معسكر النسويات الشابات الذي دعمه الصندوق، وطلبنا منهنَّ تحديد مواطن القوة والضعف في الحركة والأمور التي تأتي في صدارة أولوياتهنَّ. وفوجئنا مرة أخرى بأنَّ الإجابات الواردة من أولئك النساء الشابات ومن التيار الرئيسي للمنظمات النسائية كانت متطابقة بنسبة تقترب من 100%. وبيَّنت لنا هذه النتائج أنَّه بالرغم من عدم وجود حوار بين النساء الشابات والتيار الرئيسي للمنظمات النسائية، فقد كان تفكير الجميع متشابهًا فيما يتعلق بأهم العقبات والفرص التي تواجهها حركة حقوق النساء في أوكرانيا. وانطلاقًا من هذا الإدراك، صارت لدينا أولوية واضحة تتمثَّل في الجمع بين كلِّ الأطراف من أجل وضع الاستراتيجيات والعمل صوب تحقيق الأهداف المشتركة.
واسترشد الصندوق الأوكراني للنساء بهذا التقييم عند وضع استراتيجيته للسنوات الثلاث التالية. ويتمثَّل جزء بالغ الأهمية من خطتنا في إيجاد المساحات والفرص التي تتيح إجراء الحوارات والتعاون بين النساء الشابات والتيار الرئيسي للمنظمات النسائية. ورغم أن الجمع بين أولئك النساء جميعًا لن يكون سهلاً، فإنَّنا نشعر بالثقة لأنَّ الاستراتيجية مستندة إلى البيانات — فلدينا إجاباتهنَّ بشأن ما يرغبن فيه. وقد استخدم الصندوق الأداة لإطلاق العنان للمناقشة والآن يستخدم النتائج في العمل.
وعلى سبيل المثال، حدَّدت المشاركات في التقييم البنية الأساسية الداعمة باعتبارها أولوية للحركة النسائية في أوكرانيا، بما في ذلك قدرات المناصرة. ومن أجل تلبية هذا الاحتياج، سوف يقدِّم الصندوق الدعم للمنظمات النسائية بشأن كيفية الاضطلاع بالمناصرة الفعالة — على سبيل المثال، من خلال التدريبات على كيفية تحليل القرارات المحلية ومن ثمَّ مناصرة التغيير المنشود. وبالإضافة إلى ذلك، فسوف يشجِّع الصندوق هذه المنظمات على إقامة شبكات علاقات غير رسمية والاستفادة من مواطن القوة الموجودة لدى بعضهم البعض.
ونطمح إلى إجراء التقييم مرة أخرى في العام المقبل، حتى نرى ما تعلمته المنظمات المشاركة وما يمكن تحسينه. وفي المرة المقبلة، سوف ندعو المزيد من الوافدات الجدد إلى الحركة ونتواصل مع أصوات ووجهات نظر متنوعة قدر الإمكان. ونحن نعرف أنَّ فرصة الاستماع إلى أفراد ومنظمات يمثِّلون أجزاء مختلفة من الحركة والتواصل مع أولئك الأفراد والمنظمات سوف تجعل تحليلنا أكثر تعمُّقًا وتعزز الجهود التي نبذلها.
ويتمثَّل أحد جوانب تعزيز هذه الجهود في إدراك المجالات التي لم تحقِّق فيها المشاريع التجريبية التي أُجريت باستخدام أداة التقييم النجاح المنشود والتعلُّم من تلك التجارب. وعلى سبيل المثال، شهدت دراسة تجريبية أُجريت مع إحدى الحركات المحلية خلط العديد من المشاركات اللاتي دُعين إلى التقييم بين الحركات والتحالفات، وأردن أن يستخدمن الأداة في تقييم قدرات التحالف الذي ينتمين إليه — ولم يكن ذلك هو القصد على الإطلاق، إذ أنَّ ذلك التحالف لم يكن سوى واحدًا من بين العديد من الجهات الفاعلة في الحركة. وقد تعلَّم الصندوق العالمي للنساء درسًا مهمًا في هذا المشروع التجريبي: يجب أن نتأكد من استخدام الأداة المناسبة للسياق.
وباعتبارنا جهة مموِّلة ملتزمة ببناء الحركات، فإنَّنا نعتبر التقييم نقطة البداية لالتزام أطول أمدًا. وقد سلَّطت خبرتنا التجريبية في أوكرانيا الضوء عل أهمية استخدام النتائج للجمع بين الأطراف من أجل المناقشة والحوار ووضع الاستراتيجيات. وفضلًا عن دعم الجهات الفاعلة في الحركات في تحليل النتائج التي تتوصل إليها، فمن المهم للغاية متابعة توفير الموارد والمساحات حتى تتمكَّن تلك الجهات من العمل بناءً على النتائج ووضع خطط استراتيجية لتعزيز الحركات التي تنتمي إليها.