إننا نعيش في زمن مضطرب للغاية، في خضم تصاعد الظلام في بلدي الهند وفي شتى أنحاء العالم. إننا نشهد عالم تتصاعد فيه الكراهية، واللامساواة، ونوع جديد من القيادة في شتى أنحاء العالم. في بلدين من أكبر البلاد الديمقراطية في العالم – الهند والولايات المتحدة – انتخبنا قادة لديهم هذا الصنف الجديد ن القيادة، وفي بلاد أخرى كثيرة أيضاً، مع ما يستتبعه هذا من تشكّل معارضة قوية وحاشدة ضد هؤلاء القادة.
ما هي سمات هؤلاء القادة؟ السمة الأولى أنهم يعظمون من ويشرعنون اللاتسامح والكراهية. سياستهم تنتعش على انقسام المجتمعات، وبدلاً من التصدي للانقسامات، فإن هؤلاء الناس يريدون تعميقها وتكريسها.
السمة الثانية هي انحراف أخلاقي غريب، يؤطر بموجبه المضطهدون بصفتهم هم القائمون على الاضطهاد، ويصبح المُضطهد هو المُضطَهَد. مع انعكاس الأحوال هذا، أصبح البيض في الولايات المتحدة (وهم الفئة المهيمنة) وبموجب هذا الخطاب الأخلاقي المنحرف، هم في واقع الأمر المعرضين للاضطهاد، ويتم تصوير الأمر وكأن الملونين هم من يقومون باستغلالهم، والأٌليات والمهاجرين. وفي الهند، فالطبقة الهندوسية المهيمنة التي تتكون منها الأغلبية أصبحت هي المعرضة للاضطهاد من قبل مختلف الأقليات، وعلى رأسهم المسلمين. وبالطبع، فإن الطبقة المتوسطة والطبقة الغنية مضطهدة على يد الفقراء، الذين يوصمون بالكسل وبأنهم طفيليين: "نحن ندفع الضرائب" لتقديم الدعم للفقراء. هذا الخطاب يحرر الناس أصحاب النصيب من الثراء والمكانة من واجبات المسؤولية والتضامن.
السمة الثالثة هي الانحدار الاستثنائي في مستوى تحضر الخطاب العام، إذ أصبحنا نتعامل مع من نختلف معهم بخشونة، ونهرع إلى وصم المعارضين بأنهم غير وطنيين وغير محترمين، ومن ثم يأتي سحق هذه المعارضة.
إننا نشهد تصاعد طبقة ثرية ومتوسطة في شتى أنحاء العالم تزيد باطراد لامبالاتها بالغير، وهي طبقات تظن بالخطأ أن ما تناله من حظ هو امتياز مستحق لها.
لكن ما يجب أن نتذكره هو أن المشكلة لا تقتصر على القادة. المشكلة فينا نحن، أنا وأنت، لأننا من انتخبنا هؤلاء القادة. علينا أن نفهم بشكل أفضل لماذا يزيد إقبال الناس على اختيار هؤلاء القادة الذين يعمقون من الانقسام ويضغطون ليصبح العالم مكاناً مخيفاً لأي أقلية من أي نوع.
إننا نشهد تصاعد طبقة ثرية ومتوسطة في شتى أنحاء العالم تزيد باطراد لامبالاتها بالغير، وهي طبقات تظن بالخطأ أن ما تناله من حظ هو امتياز مستحق لها. إنها طبقات تعمل على طرد الفقراء من وعيها وضميرها ومن وعي وضمير الجميع. لقد تطورت قدرتنا على اللامبالاة والنظر بعيداً عن المآسي. تزايد اللامساواة وتزايد قدرتنا على اللامبالاة بها تعكس قبل كل شيء إخفاق عميق في التضامن.
لكن الأزمة الأخرى التي تبتلي العالم بشكل أعمق هي تصاعد الكراهية والحقد ضد الأقليات المستضعفة والمستلبة، سواء الأقليات العرقية أو الجندرية أو الدينية أو الطائفية أو الدينية أو الأقليات المصابة بإعاقات. إننا أصف هذه الظاهرة بأنها "تقسيم للقلب": التقسيم والتخندق على الأرض أمر يمكن رؤيته ومكافحته، لكن من الأصعب بكثير مقاومة هذه التقسيمات اليومية المعنوية بين القلوب، التي تعلمنا أن نكره أقليات بعينها.
ولعل المقلق أكثر من أي شيء هو ما أراه من إخفاق مزمن في التعاطف على المستوى المحلي. فالناس لا يمدون أيديهم لبعضهم البعض، الناس لا يساعدون بعضهم.
في الهند، تتبدى هذه الكراهية بشكل غريب ن العنف، هو حوادث الضرب الجماعي، التي لا تختلف كثيراً عن الضرب المفضي للموت بحق الأمريكيين من أصول أفريقية منذ عقود طويلة في الولايات المتحدة. إنها أعمال أدائية من القسوة المفرطة، تم تصويرها في مقاطع فيديو من قِبل الجناة وانتشرت ظافرة منتصرة على مواقع التواصل الاجتماعي. وهكذا يصبح فعل ضرب جماعي واحد عشرة آلاف فعل، يستقر في قلوب المسلمين والأقليات الأخرى ويعلمهم أن يتعايشوا مع الكراهية والخوف بشكل يومي.
ولعل المقلق أكثر من أي شيء هو ما أراه من إخفاق مزمن في التعاطف على المستوى المحلي. فالناس لا يمدون أيديهم لبعضهم البعض، الناس لا يساعدون بعضهم. أسمي هذا أيضاً بالكراهية، لأن الكراهية ليست فقط ما نراه في الشوارع من أفعال، إنما تتم شرعنة الكراهية والتشجيع عليها أيضاً من قبل القادة وفي الخطاب السياسي المهيمن.
لكن أغلب تضامننا هو عبارة عن شيء أسميه "حب راديكالي".
كيف نتعامل نحن في مجتمع حقوق الإنسان مع هذا الأمر؟ كيف يجب أن نرد؟ كمواطنين وكمدافعين عن حقوق الإنسان وفي سياستنا الشخصية، أشعر بأن علينا إعداد قاموس جديد للتعامل مع الكراهية واللامساواة واللامبالاة التي ابتلينا بها قبل هذا وذاك.
يجب أن يكون التضامن في القلب من رد فعلنا. أفهم أن التضامن يشبه الدائرة التي تمتد على قطرها زوائد عديدة. يمكننا الحديث عن الإخاء. الكلمة الهندوسية في دستورنا للإخاء هي "باندهوتا"، المشتقة من اللغة السنسكريتية، وتعني أننا مرتبطون بعضنا ببعض. التضامن يظهر عندما تعاني ألم ودموع غيرك، عندما أشعر بالسلاسل التي تقيد قدميك تقيدني. التعاطف فعل خيالي بالدرجة الأولى، وهو إحساس. لقد بنينا عوالم منفصلة بعضها عن بعض لدرجة أنني فقدت القدرة على تخيل نفسي في موضع الشخص الذي أصمه. قد يكون شخص مشرد، أو مهاجرة يائسة، أو ملون، أو من أٌلية جنسية. التعاطف – وأنا هنا أتحدث عن التعاطف الأخوي – لا يعني ببساطة أن يكون الشخص محل التعاطف وعاء أصب فيه تعاطفي، إنما أن نكون شخصين يتقابلان على أرضية واحدة كأنداد، مع الإقرار بالمصاعب التي يمر بها أحدنا، وإقراري بقدرتي على مساعدتك اليوم، وأنك قد تساعدني غداً.
كما قال ناعوم تشومسكي، فإن الحماية الاجتماعية هي في نهاية المطاف فكرة أن علينا رعاية بعضنا البعض. لكن أغلب تضامننا هو عبارة عن شيء أسميه "حب راديكالي". إنه حب منبعه قدر كبير من الشجاعة والثبات على القناعات: قد تكون هناك عاصفة من الكراهية تعصف بالعالم لكني سأقف معك، ولو وقفت وحدي إن لزم الأمر، لا أهتز، شجاع، أخاطر بحياتي وبكل ما أراه ثميناً، حتى نضيء معاً شمعة محبة في هذا الظلام الذي تعانيه.
أعتقد أن علينا البحث عن أدوات جديدة لهذا القاموس الجديد للمقاومة والاحتجاج، للتعامل مع الكراهية واللامساواة، بناء على تلك الأفكار المجاورة لفكرة التضامن. في الهند، عقد بعضنا العزم على مكافحة هذا التصاعد المشين في الكراهية وفي شرعنتها بالاستعانة بقافلة الحب الراديكالي "كرفان إي محبت". عقدنا العزم على أننا سنذهب كل يوم إلى بيت شخص تعرض للضرب الجماعي. لن نذهب كمنظمات حقوقية ونطلب من أهل الشخص تقديم شهادات. سوف نذهب لزيارة أحباء لنا عانوا خسارة فادحة. سوف نقول لأهل الضحية أربعة أشياء: أولاً، أنتم لستم وحدكم في هذه المعاناة فنحن نقف معكم. ثانياً، نطلب منكم الغفران على ما حدث معكم لأننا لم نتمكن من منع تحول بلدنا إلى ما تحول إليه. ثالثاً، سوف نقف مع الضحايا الناجين في نضالهم من أجل العدالة وفي إعادة بناء حياتهم المحطمة بهمجية. ورابعاً، سوف نروي قصصهم للعالم، حتى نكسر صمتنا الجماعي هذا.
قال لنا باولو فريري إن التضامن الحقيقي هو المخاطرة بتقديم قدر وافر من أعمال الحب. هذا حقاً ما يعنيه التضامن، وبهذه الوفرة من المحبة، لا أقل، سوف نتمكن من المقاومة ومواجهة الظلم واللامساواة واللامبالاة والكراهية والتغلب على كل هذا في يوم من الأيام.