قبل أسابيع قليلة، أشار الناشط المخضرم في مجال حقوق الإنسان لاري كوكس إلى أن الدين يمنح حركات حقوق الإنسان الأمل في تجديد نشاطها وإكسابها المزيد من الشرعية والتأثير. ومع ذلك، فإن هذا يطرح بعض الأسئلة الهامة: أي دين من الأديان، ومن هم أتباع هذا الدين، وأية حقوق إنسان معنية، وفي أي جزء من العالم؟ وفي مقال آخر في openGlobalRights، يرى مختاري وعلي وفيتزجيبون أن الإسلام وحقوق الإنسان يشتركان في الالتزام بالرحمة والعدالة الاجتماعية ومحاربة الظلم والتمييز. غير أننا نتساءل: عندما يستخدم الدين لانتهاك حقوق الإنسان، كيف لنا أن نجد أرضية مشتركة؟
أؤكد هنا على أن اشتراك الأديان مع حقوق الإنسان بشكل أوسع يتطلب توطين المعايير العالمية وترسيخها ، لا التطبيق السطحي لها. فدعوات التسامح والمساواة لا يبلغ أثرها على أحسن وجه إلا عندما تستند إلى التقاليد الثقافية والفكرية السائدة بين الناس. وهذا هو أشد ما تكون الحاجة إليه في حالات قيام الحكومة أو الفئات الاجتماعية باضطهاد مجتمعات دينية معينة لفترة طويلة.
واضطهاد البهائيين في إيران هو إحدى هذه الحالات. ولما كان عدد أتباع هذه الديانة في إيران يربو على300000 ، يعتبر البهائيون هم أكبر أقلية دينية غير مسلمة في إيران. ومع ذلك، فهم محرومون من أي حماية قانونية أو اعتراف قانوني باعتبارهم أقلية، لأنهم على عكس اليهود والمسيحيين والزرادشتيين، فإن الدستور الإيراني لا يعترف بدينهم. وقد تعرضوا عبر عشرات السنين لضروب من التعسف منها الاعتقالات، والإعدام، والحرمان من التعليم وسبل العيش، والترهيب، وتشويه صورتهن وشيطنتها في وسائل الإعلام. وقد تم قتل المئات منهم بعد ثورة 1979. كما يقبع الآن أكثر من 130 من البهائيين في السجون بتهم كاذبة. ومنهم سبعة زعماء دينيين سابقين يقضون الآن أحكاما بالسجن لمدة 20 عاماً. لقد تحول تاريخ طويل مدته 35 عاماً من التعصب الممنهج والمؤسسي إلى نمط بعيد المدى من انتهاكات خطيرة ترتكبها الحكومة وتحرض عليها. وفد أصبح اضطهاد البهائيين الآن رمزاً يتمثل فية اضطهاد الدولة الإيرانية واستهدافها الروتيني للناشطين والصحفيين والأقليات والمفكرين.
وقد تبدو قضية البهائيين في إيران للوهلة الأولى مصداقا للدعوة القائلة بأن يظل الدين ، في أحسن الأحوال، على هامش مناقشات الحقوق. ومع ذلك، فإن النظرة الواقعية للمسألة تدعو إلى غير ذلك. فقد سعت القيادات السياسية والدينية في إلى أن تؤسس 170 عاماً من المشاعر المعادية للبهائية على أسس دينية، ولذا فإن الاكتفاء بالدعوة إلى تطبيق المعايير العالمية لحقوق الإنسان لن يحقق التعايش والإحترام المتبادل. وعلى الرغم مما تتسم به المعايير العالمية من مزايا، إلا أنها قد تخلو أحيانا من الأثر والصدى المرجو لها. ولعل أفضل الوسائل للدعوة لحقوق الإنسان في إيران وأماكن أخرى من خلال النصوص والقيم المقدسة السائدة.
إن التصريحات الأخيرة لرجال الدين الشيعة الداعية للتعايش مع البهائيين تتيح مجالاً كبيراً للأمل. بالنسبة إلى أقوال الراحل المبجل آية الله منتظري عام 2008، وكذلك آية الله الصدر عام 20111، فقد أضاف مؤخراً آية الله عبد الحميد معصومي-طهراني هديته الكريمة.
وليس بالجديد على آية الله معصومي-طهراني أن يدعو إلى التعايش الديني في إيران. إلا أن دعوته، في الآونة الأخيرة قد تضمنت كذلك احترام البهائيين في إيران. وفي بيان صدر يوم 7 ابريل عام 2014، أشار معصومي--طهراني إلى أن تاريخ إيران حافل بفترات تميزت "بتمتع الأديان والطوائف المختلفة، مع تعدد معتقداتهم وممارساتهم، بالتفاعل الاجتماعي والتعايش المتسامح". لقد تحسر رجل الدين هذا على ضياع ذلك النهج الموروث، مشيراً إلى الإنحسار الشديد الذي اعترى "الحق في أن تكون إنساناً"، والحق في الحياة، والكرامة الإنسانية. وقد وصف الواقع الاجتماعي الحالي في إيران على أنه أحد صور "التمييز العنصري الديني".
وقد أعد معصومي-طهراني، هدية منه للباهائيين، أعمالاً فنية من الخطوط، وقد اختار رمزاً للدين البهائي يعرف باسم الاسم الأعظم –وهو يمثل الصورة الذهنية للعلاقة بين الله وأنبيائه ومخلوقاته– وآية من المتون البهائية المقدسة. وإنه باخيتياره لرمز البهائيين ولنصوص تتلقاها هذه الجماعة الديينة المضطدة قد أتى بما يؤكد كرمه.
ولعل كلمات آية الله نفسه تجسد الغرض من هذه البادرة خير تجسيد: "أقدم هذا الرمز الثمين والتعبير عن التعاطف والاهتمام مني شخصياً ونيابة عن جميع إخواني المواطنين المنفتحي العقول –الذين يحترمون الآخرين لإنسانيتهم وليس لدينهم أو طريقة عبادتهم– إلى جميع البهائيين في العالم، وخصوصاً إلى البهائيين في إيران الذين عانوا معانات شتى من التعصب الديني الأعمى".
مثل هذه المبادرات ذات المغزى الديني من آية الله منتظري والصدر ومعصومي-طهراني تؤدي إلى استكمال الجهود في مجال حقوق الإنسان وتجديد الأمل في إكسابها المزيد من الشرعية والتأثير.
في مقال آخر على openGlobalRights، رأى عالم الاجتماع الباكستاني نيدا كرماني إلى أنه يجب علينا أن نختار بين النهج العلماني أو الديني لحقوق الإنسان. وكما يقول الصحفي الهندي بارسا، فإن رسائل المساواة والتسامح تبلغ غايتها خير بلوغ إذا ما عرضت من منظور التقاليد الثقافية والفكرية السائدة في البلد الذي توجه إليه. هؤلاء اشيعة الإيرانيون الثلاثه، وجميعمه من حملة لقب آية الله، يمثلون نماذج رائعة، إذ أيقظوا الوعي الديني بحقوق الإنسان لمواجهة ما تتعرض له هذه الحقوق من انتهاكات. وهذا هو ما كان الحاخام أشرمان يتحدثعنه عندما كتب إلى openGlobalRightss عن منظمته في إسرائيل ‘حاخامات من أجل حقوق الإنسان’.
ومن المسلم به أن الانتهاكات واسعة النطاق لحقوق الإنسان في إيران –للبهائيين وللجميع– تتطلب أكثر بكثير من بضع مبادرات تصدر من بعض الزعماء الدينيين المنشقين. غير أن هذه الدعوات تلعب دوراً هاماً في زعزعة ما تتوخاه إيران من إضفاء الشرعية على ما تتعرض له حقوق الإنسان من اعتداءات لها دوافع دينية. فهذه الدعوات ترسخ اتجاهاً جديداً يشمل الجميع بالمساواة ويقاوم الإتجاه السائد في غض الطرف عمن ينتهكون حق الآخرين. وهي قد ترسخ أيضاً سابقة ضرورية لتحسين حقوق الإنسان في البلدان شديدة التدين وأيضاً شديدة الاستقطاب، مثل إيران.