أدى الغضب من عمليات القتل الأخيرة التي استهدفت جورج فلويد وبريونا تايلور وأحمد أوبري في الولايات المتحدة والاحتجاجات الضخمة في كل أنحاء البلاد وإجراءات التضامن في كل أنحاء العالم إلى نقاش عالمي حول العنصرية المنهجية وعنف الدولة.
وهذه الأحداث الأخيرة هي جزء من نمط وحشي وموثّق جيداً من العنصرية المنهجية والتجاهل لحياة السود في الولايات المتحدة، حيث تعاني المجتمعات المحلية السوداء منذ فترة طويلة من عنف الدولة من خلال العبودية والفصل القانوني ووحشية الشرطة والسجن الجماعي.
ومع ذلك، لا يقتصر العنف العنصري والتمييز الإثني المنهجيان على الولايات المتحدة. ففي الأشهر الأربعة الأولى من عام 2020، ووفق سجلاتها الخاصة، قتلت الشرطة في ريو دي جانيرو وحدها 606 أشخاص، وكان ثلاثة أرباعهم من الشباب والرجال السود من الأحياء الفقيرة. وفي فلسطين، ما زال استخدام إسرائيل المفرط للقوة وسياسة إطلاق النار بهدف القتل ضد الفلسطينيين مستمرة، ويتجلى ذلك أخيراً في قتل الشاب إياد حلاق وآخرين. وفي جنوب أفريقيا، يواجه سكان الأكواخ الحضرية السود بقايا الفصل العنصري حيث يُقتَل زعماؤهم في كثير من الأحيان عندما يحاولون تنظيم مجتمعاتهم المحلية. وفي غواتيمالا، اتهم المعالج من شعب المايا دومينغو شوك بممارسة السحر وعُذِّب وأُحرِق حتى الموت على يد حشد من الغوغاء.
وترتبط العنصرية وعنف الدولة المنهجيان ارتباطاً وثيقاً بالرأسمالية وتعزز بعضها بعضاً. وبالتالي، من الضروري، عند دراسة العنف العنصري المنهجي ونقده، دراسة الأسباب الهيكلية للفقر ونزع الملكية وانتقادها. ومن الضروري دراسة النظام الاقتصادي المهيمن والجهات التي يخدمها.
تاريخياً، كانت العنصرية أداة للسيطرة ولها جذور عميقة في الاستعمار والإمبريالية. وأدت العنصرية دوراً أساسياً في تمكين النخب الصغيرة من البقاء في السلطة من خلال "تكتيك فرق تسد" الذي يهدف إلى تقسيم المجتمعات المحلية السوداء والبنية والأصلية والبيضاء المحرومة. وبالمثل، تدعم العنصرية رواية تصور المجتمعات المحلية الملونة والمجتمعات المحلية الفقيرة على أنها إجرامية وكسولة ومنحطة أخلاقياً، ومسؤولة في نهاية المطاف عن تهميشها وفقرها.
وتُعَد حملات التشهير والتشويه من الأساليب المعروفة المستخدمة ضد أولئك الذين يجرؤون على تحدي الهياكل الموجودة للسلطة، سواء عنى ذلك تجريم الناشطين من السكان الأصليين ووصمهم بأنهم مناهضون للتنمية إذا قاوموا المشاريع الضخمة والتنمية العدوانية حول العالم، أو وصم الناشطين بأنهم إرهابيون في الفلبين، أو تلطيخ سمعة النساء المدافعات عن حقوق الإنسان في أميركا الوسطى اللواتي يتحدين الهياكل الأبوية. وتبرر هذه الروايات استخدام الدولة للعنف، الذي تجسده وتنفذه الشرطة والجيش في نهاية المطاف.
ويرتبط استخدام الدولة للعنف ارتباطاً وثيقاً بأنماط أوسع نطاقاً من الاستبعاد الشامل ونزع الملكية. وفي العديد من المجتمعات المحلية الفقيرة والمجتمعات المحلية الملونة في كل أنحاء العالم، لا توجد الدولة إلا من خلال العنف. وأبرزت جائحة كوفيد-19 هذا الوضع في شكل صارخ. وفي كل أنحاء العالم، تتأثر المجتمعات المحلية الفقيرة في شكل غير متناسب من جراء كوفيد-19 بسبب التفاوتات الموجودة في الثروة، والوصول إلى الرعاية الصحية، والغياب العام للدولة لجهة الوفاء بالالتزامات في مجال حقوق الإنسان، بما في ذلك الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية. وهذه هي المجتمعات المحلية بالذات التي تأثرت بعنف الدولة.
وفي الوقت نفسه، فإن عنف الدولة هو وسيلة لحماية مصالح النخبة. وأبرز أعضاء الشبكة العالمية للحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية وجود اتجاه عالمي واسع النطاق لهيمنة الشركات على الدولة ومؤسساتها من قبل نخبة صغيرة من الشركات تمارس نفوذاً لا مبرر له على مؤسساتنا الديمقراطية والقضائية على حساب حقوق الإنسان والبيئة. وعندما تخدم الدول نخبة صغيرة من الشركات، تكون القدرات العنفية للدولة أيضاً تحت تصرف مصالح النخبة تلك.
وهذا يشير إلى وجود اقتصاد سياسي من العنف، حيث يكون أولئك الذين يستفيدون من الرأسمالية وأولئك الذين يعانون من عواقبها هم الأشخاص أنفسهم الذين يستفيدون من العنصرية وعنف الدولة ويعانون من عواقبها.
ويتجلى الاقتصاد السياسي للعنف كلما تجرأت المجتمعات المحلية المحرومة والفقيرة على الاحتجاج على ظروفها، وطالبت بمستقبل لأطفالها، فتُقابَل بالتشهير والتهديدات والقتل. وبالمثل، فإن النموذج الاستخراجي الحالي – الذي لا يشبع من الرغبة في الموارد الطبيعية ومراكمة الثروة – هو المحرك الرئيسي للنزاع، والنزع العنف للملكية، والعنف غير المباشر الذي يسببه تغير المناخ، ما يؤثر في شكل غير متناسب في الفقراء والمهمشين.
ويعني فهم الاقتصاد السياسي للعنف فهم كيف نشأت أنظمتنا الاقتصادية والسياسية المهيمنة من التجريد من الملكية والإبادة الجماعية، والاعتماد على وحشية الشرطة والجيش للحفاظ على التفاوتات الهائلة والإمبريالية المستمرة، وتوليد العنف في نهاية المطاف عند كل المستويات.
لن تُصحَّح التفاوتات التي تعاني منها المجتمعات المحلية الفقيرة والمجتمعات المحلية الملونة حول العالم بإجراء مجرد تغييرات سطحية في السياسات، بل تتطلب إعادة هيكلة جذرية للأنظمة المبنية على مدى قرون. وللتصدي حقاً للاقتصاد السياسي للعنف والتفاوتات الهيكلية التي يحافظ عليها، نحتاج إلى تعميق التضامن بين نضالاتنا وبناء مطالب شاملة للتغيير المنهجي، مع الالتقاء فوق الانقسامات التي غالباً ما تكثفها وتتلاعب بها نخبة صغيرة تستفيد من الأنظمة الحالية.
وتحقيقًا لهذه الغاية، ومن خلال الميثاق المشترك للنضال الجماعي، بدأ أعضاء الشبكة العالمية للحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية من حركات خاصة بالمنحدرين من أصل أفريقي والفلاحين وفقراء المناطق الحضرية والشعوب الأصلية، في تحديد نقاط ناشئة للوحدة من خلال النظر في الظروف المشتركة أو التفاوتات النظامية التي تواجهها المجتمعات المحلية في كل منطقة بسبب إرث الاستعمار والإمبريالية والنظام الرأسمالي المهيمن. وتواصلت هذه العملية أخيراً من خلال دعوة عالمية للتحرك في مواجهة الجائحة المستمرة، ما عزز الحاجة إلى "وضع طبيعي جديد" للبدائل النظامية، تسترشد بالحركات والمجتمعات المحلية المُقاوِمة، لجعل حقوق الإنسان والعدالة الاجتماعية حقيقة واقعة للجميع.