على مدار العقد الأخير تقريباً راحت مجموعة من الأكاديميين تتجادل فيما بينها عما إذا كان قانون حقوق الإنسان الدولي قد حسّن من نتائج المتعلقة بحقوق الإنسان. في كتابي "أفول قانون حقوق الإنسان"، أقيم الحجة على أن الإجابة هي "لا"، لكن يخالفني كثير من الأكاديميين، وبينهم بيث سيمونز، ثم مؤخراً كاثرين سيكينك في كتابها "أدلة على الأمل".
لكن بينما نتجادل نحن وآخرون حول دلالة الإحصائية والأسباب والتعريفات، فإننا قد فاتنا القصة الأكبر، أو ربما لم نولها اهتماماً كافياً. تلك القصة هي إعادة تعريف حقوق الإنسان لمنحها صبغة "محافظة". بموجب التعريف التقليدي، فإن حقوق الإنسان كانت مفهومة بأنها إما "ليبرالية" (فكر في وثيقة الحقوق الأمريكية) أو "ديمقراطية اجتماعية" (فكر في السويد، أو الطريقة التي نتخيل فيها السويد ونظامها). لا شكّ أنه على هامش هذه الأُطُر، هناك طرق أخرى لفهم حقوق الإنسان. فالكثير من الدول الإسلامية ترى أن قانون حقوق الإنسان يحمي الناس من "ازدراء الدين" وهو ما يعني عملياً تقييد حرية التعبير لدى تعرضها لحساسيات دينية، في حين أن الصين ترى "الحق في التنمية" يفترض أن يبرر بعض انتهاكات حقوق الإنسان إلى أن يتم التعامل مع مشكلة الفقر. لكن مجتمع حقوق الإنسان—المكون بالأساس من منظمات مجتمع مدني ليبرالية، مثل هيومن رايتس ووتش، ومحاكم حقوق الإنسان الدولية، وحكومات في دول ديمقراطية ليبرالية قوية— لم يتعامل مطلقاً بشكل جديّ مع هذه الآراء ولم يكتسب هذا الفهم المذكور أتباعاً.
لكن هذا قد يتغير قريباً. ففي 30 مايو/أيار ظهر إشعار قصير في السجل الفيدرالي يعلن عن تشكيل "قسم لجنة الدولة المعنية بالحقوق غير القابلة للتبديل". ورد في الإشعار أن "اللجنة سوف تقدم أفكاراً جديدة حول خطاب حقوق الإنسان حين يختلفُ هذا الخطاب عن المباديء المؤسسة لدولتنا من حيث القانون الطبيعي والحقوق الطبيعية". ووَرَدَ في مواصفات عمل اللجنة أن هدفها "... ليس استكشاف مبادئ جديدة، إنما استرداد ما يضمن استمرار حرية وانفتاح المجتمعات".
الخوف ليس من اللجنة نفسها بل مما تمثله: حركة متنامية، على المستوى السياسي والفكري، سوف تقوم – دون نبذ القانون الدوليّ – بإعادة تعريف القانون الدوليّ بما يخدم مصالح وقضايا الجناح اليمينيّ.
لا تقدم لنا هذه العبارات الكثير، لكن المعلقين بدأوا في التخمين، وهم محقون فيما ذهبوا إليه في تقديري، بأن "القانون الطبيعي" والاستخدام لكلمات قديمة مثل "غير القابلة للتبديل" بدلاً من "ثابتة" هو أمر القصد منه إبراز الفهم المسيحيّ، لا سيما الكاثوليكيّ (إعلان الاستقلال أشار إلى "الحقوق غير القابلة للتبديل" التي "منحها الخالق" للناس). ونظراً لما نعرفه عن إدارة ترامب، فهذا قطعاً يعني أن الحكومة الأمريكية سوف تجادل بأن الإجهاض، وربما أشكال أخرى من تنظيم الأسرة، ينتهك "حقوق الإنسان". أفترض أن هذا أيضاً – على غرار ما فعلت منظمة المؤتمر الإسلامي – سوف يشدد على الحقوق والحريات الدينية بصفتها من بنود القانون الدولي لحقوق الإنسان. ومما يعزز هذا الرأي إعلان وزير الخارجية بومبيو الرسمي عن اللجنة في مطلع يوليو/تموز، ومنطق اللجنة الذي ذكره لصحيفة "وول ستريت جورنال"، ومما يعزز هذا الرأي أيضا خلفية من تم تعيينهم في اللجنة، المعروفين بتوجهاتهم المحافظة في تفسير حقوق الإنسان.
في عام 2012 كتب باحث العلوم السياسية كليفورد بوب كتاباً بعنوان "اليمين العالمي وصدام السياسة العالمية" يكشف فيه عن حقائق مجهولة وفيه يوثق كيف سافر النشطاء المحافظون بالولايات المتحدة إلى دول أخرى حيث ساعدوا أشخصا يتبنون نفس الأفكار في تفعيل قوانين لحماية حقوق حمل السلاح وحظر الإجهاض وتجريم النشاط المثلي. وفي منتدى "مونكي كيدج" يشير كليفورد بوب ، وهو مُحِق، إلى أن لجنة ترامب تمثل امتدادًا لهذه الجهود، التي أصبحت أكثر رسمية وشرعية تحت إشراف حكومي، يكاد يستحيل تجاهلها. وكما أوضح، فإن "اللجنة ستجد لها حلفاء ليس فقط في صفوف المحافظين الأمريكيين بل أيضاً على المستوى الدوليّ. فأمام كل منظمة مجتمع مدنيّ يسارية تُرَوّج لمفاهيم حقوق الإنسان المعاصرة، سوف تظهر منظمة مجتمع مدنيّ يمينية تُرَوّجُ لأمر مختلف، عادة باسم حقوق الإنسان أو الحقوق الطبيعية".
يجب أن يخاف مجتمع حقوق الإنسان للغاية. ولكن ماذا عساهم يخشون من لجنة حكومية غامضة يتم الاستهزاء بمسماها في أروقة الجامعات، وهي اللجنة التي لها ميزانية 385074 دولاراً؟ الخوف ليس من اللجنة نفسها بل مما تمثله: حركة متنامية، على المستوى السياسي والفكري، سوف تقوم – دون نبذ القانون الدوليّ – بإعادة تعريف القانون الدوليّ بما يخدم مصالح وقضايا الجناح اليمينيّ.
لقد رأينا هذه القصة من قبل. ففي السبعينيات، كانت نظرية القانون الدستوريّ الأمريكيّ نتاجاً لأعمال الأكاديميين الليبراليين الذين سعوا إلى إبراز المسوغات المنطقية لأحكام المحكمة الليبرالية الخاضعة للقاضي إيرل وارين. كان مجتمع المحامين الليبراليين والمشتغلين بالقانون ضيق الأفق ومتواطيئ ومتشابه الأفكار، وكان غير جاهز على الإطلاق عندما أطلق اليمين ثورة قانونية استندت إلى أعمال معارضين، طال تجاهلهم يتسمون بخبث الآراء، بتمويل وتشجيع جيل جديد من المحامين المحافظين الذين قاموا فيما بعد بملء أروقة الجمعية الفيدرالية ومن ثم المحاكم الفيدرالية، وكانوا مسلحين بنظرية قضائية محافظة قابلة للاستخدام في إحداث انتكاسة عن أحكام وارين وترسيخ الالتزامات المحافظة، مثل حق حمل السلاح.
التمس اليسار الملاذ الآمن في حقوق الإنسان الدولية، واستمر في الكفاح من خلال القول بأن حقوق الإنسان الدولية – كما يراها – تسمو على الفقه القانوني المحافظ بشكل متزايد، الصادر عن المحكمة العليا. هنا أيضاً قامت مجموعة معزولة متشابهة الأفكار ومتواطئة من المحامين والنشطاء والأكاديميين بتوليد أيديولوجية إلى يسار الوسط، لحقوق الإنسان، تبين أنها هشة سياسياً وفكرياً. من السهل التنبؤ بأننا سنرى حججهم تستخدم ضدهم. الحجج الخاصة بأن القانون الدولي لحقوق الإنسان – عذراً، "القانون الطبيعيّ" – سوف تستخدمها المحكمة استخداماً عكسياً، وإلا ماذا؟ فلننظر إلى قضية "رو ضد واد" وإلغاء قوانين الدولة التي تسمح بالإجهاض، مع تعزيز حقوق الملكية والحريات الدينية وحقوق الأسلحة، التي ستصبح من الحقوق الاعتيادية.
وفي الوقت نفسه، ربما يتعَيّنُ على المحامين وباحثي العلوم السياسية الليبراليين، الذين يُصَرّونَ على أن القانون الدوليّ لحقوق الإنسان له الأولوية على قانوننا الوطنيّ، البدء في إعادة النظر في آرائهم هذه.
تم نشر نسخة مبكرة من هذا المقال على موقع Eric.Posner.com