عندما أعلنت منظمة الصحة العالمية كوفيد-19 وباءً في شعر آذار / مارس 2020، سارعت الحكومات بإعلان حالات الطوارئ أو فرض إجراءات الطوارئ بحكم الأمر الواقع.
وفي حين أن العديد من التدابير كانت مشروعة وضرورية للتصدي لأزمة الصحة العامة، استغلت عدة حكومات، ديمقراطية وغير ديمقراطية على حد سواء، الجائحة لتسريع بإقرار تشريعات القمعية وتنفيذ تدابير غامضة يمكن استخدامها لانتهاك حقوق الإنسان والحريات المدنية الأساسية.
اعتمدت السلطات الحكومية على مجموعة متنوعة من التدابير التي أثرت بشكل غير متناسب على المدافعين عن حقوق الإنسان وقيّدت الحريات الأساسية، واستهدفت بشكل واضح وعرقلت عمل المدافعين/ات عن حقوق الإنسان، وعرّضتهم لخطر التجريم والوصم بشكل أكبر.
مع مرور عامين على بداية انتشار الجائحة، فقد حان الوقت للحكومات لإلغاء هذه الإجراءات والقوانين القمعية، ولضمان إشراك الجهات الفاعلة في المجتمع المدني في الاستجابة للجائحة وجهود التعافي ما بعد الجائحة.
بالرغم من أن المادة 4 من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية تسمح للدول بإعلان حالة الطوارئ، يجب أن تكون تلك الإعلانات مؤقتة بطبيعتها، ينص عليها القانون، وضرورية ومتناسبة. ومع ذلك، فقد أقرت العديد من الحكومات تدابير تقيد بشكل تعسفي حقوق الأفراد وحرياتهم، في بعض الأحيان إلى أجل غير محدد.
فعلى سبيل المثال، في الجزائر وإريتريا والمكسيك، أصدرت الحكومات "حظراً شاملاً بدون تاريخ انتهاء"، مما حد من الحق في حرية التجمع السلمي. في تركيا، أصدرت الحكومة أمراً تنفيذياً يمنع منظمات المجتمع المدني حتى من تنظيم اجتماعات جمعيات عامة عبر الإنترنت. وفي المجر، لم تكتف الحكومة بفرض حظراً كاملاً على الاحتجاجات، بل أذنت أيضاً للقوات العسكرية بفرض الحظر وفرض عقوبات تصل إلى 1400 يورو للمشاركة في المظاهرات المحظورة.
علاوة على ذلك، في يناير 2022، فرضت حكومة تونس قيوداً جديدة مرتبطة بكوفيد 19 تحظر كافة التجمعات العامة. وبدون رقابة تشريعية، تُركت هذه التدابير الطارئة دون رقابة وكان لها تأثير سلبي على سيادة القانون والحكم الديمقراطي على المدى البعيد.
في بلدان أخرى، استهدفت الحكومات المدافعين/ات عن حقوق الإنسان من خلال تشريعات "التضليل الإعلامي" أو "الأخبار الكاذبة". على الرغم من أن المقررة الخاصة للأمم المتحدة المعنية بتعزيز وحماية الحق في حرية الرأي والتعبير قد أوضحت أن الحق في حرية التعبير ينطبق على المعلومات بغض النظر عن حقيقة أو زيف محتواها، فقد سنت الحكومات قوانين غامضة وواسعة التعريف تقيّد الحق في حرية التعبير والرأي بذريعة الأخبار الكاذبة.
على سبيل المثال، في زيمبابوي، أصدرت الحكومة أمراً بمعاقبة أي شخص ينشر أو ينقل "أخباراً كاذبة" بغرامة تعادل ما يقرب من 20,000 دولار أمريكي و/ أو السجن لمدة تصل إلى 20 عاماً. في فيتنام، اعتمدت الحكومة على قانون أمن المعلومات لاعتماد مرسوم يحظر نشر "الأخبار الكاذبة"؛ ويفرض المرسوم غرامات تصل إلى حوالي 853 دولاراً أمريكياً. عرف القانون الأساسي "الأخبار الكاذبة" على نطاق واسع لتشمل المعلومات غير الصحيحة أو المغلوطة، بالإضافة إلى التشهير وإهانة شرف الشخص وكرامته.
وبنفس الذريعة، تعرض العاملون الصحيون والصحفيون والمدافعون عن الحقوق للاحتجاز التعسفي وتعرضوا للمضايقات الجسدية والترهيب. في دول مثل الجزائر والبرازيل، يُزعم أن السلطات احتجزت واعتقلت واعتدت جسدياً على الصحفيين/ات الذين/ اللواتي كتبوا عن كوفيد 19. كما استخدمت السلطات هذه الإجراءات لاستهداف العاملين في مجال الرعاية الصحية الذين ناقضوا التقارير الحكومية حول انتشار الفيروس وعدد الحالات.
علاوة على ذلك، تضمنت إجراءات الأمر الواقع نشر القوات العسكرية لإنفاذ تدابير الإغلاق، والإنفاذ الانتقائي أو غير المتناسب، واستخدام المراقبة، ووحشية الشرطة. في شهر آذار / مارس 2020، نشرت حكومتا الأردن ولبنان قوات عسكرية لتنفيذ أوامر الإغلاق. وفي شهر تشرين الأول / أكتوبر 2020، استخدم الجيش البولندي وشرطة مكافحة الشغب القوة المفرطة للرد على الاحتجاجات المناهضة للإجهاض.
في كثير من الأحيان، تصبح هذه القوى الاستثنائية هي القاعدة. لذلك، لجأ المدافعون/ات عن حقوق الإنسان إلى ردود التقاضي وغير التقاضي للتصدي لهذه الممارسات القمعية وحماية الحيز المدني الضروري للقيام بدورهم الفعال في حماية حقوق الإنسان.
وثق تقرير حديث نشره مركز حقوق الإنسان التابع لنقابة المحامين الأمريكية "تدابير حالة الطوارئ المتعلقة بكوفيد 19: التأثير والاستجابات" الاستجابات الفعالة للمدافعين والمدافعات عن حقوق الإنسان للتصدي لتلك التدابير التقييدية. حيث تبنت الجهات الفاعلة في المجتمع المدني مجموعة متنوعة من الاستراتيجيات بحسب درجة احترام سيادة القانون واستقلال القضاء في بلدانهم.
وشهد نهج التقاضي الاستراتيجي، الذي يطعن في شرعية التدابير ومدى تماشيها مع قواعد القانون الدولي، نجاحات متباينة. فكما رأينا في الهند وإسرائيل وملاوي والمملكة المتحدة، أكدت المحاكم أن القيود المفروضة على الحقوق الأساسية يجب أن تكون متناسبة وضرورية وغير تمييزية كما ورد في التعليق العام رقم 29 للجنة حقوق الإنسان التابعة للأمم المتحدة.
علاوة على ذلك، في الحالات التي تقيد فيها الحكومات الحق في حرية التعبير باستخدام قوانين مُعدلة، فإن نجاح التحديات القانونية يعتمد إلى حد كبير على طبيعة القانون الأساسي ونطاق الإنفاذ. على سبيل المثال، وجدت المحاكم في البرازيل والهند أن التعبير المُجرَّم محمي بموجب الدستور وأن الإجراءات الحكومية تجاوزت نطاق القانون المعدل.
اعتمدت الجهات الفاعلة في المجتمع المدني أيضاً استراتيجيات للمناصرة لتحدي إجراءات وممارسات الأمر الواقع من خلال تحالفات جديدة، وتعزيز التنسيق مع الجهات الفاعلة الأخرى، والضغط على الأجهزة الحكومية. في بعض الأحيان، انطوت هذه التحديات على إصدار رسائل عامة أو خاصة، وإشراك المؤسسات الوطنية لحقوق الإنسان، والقيام باحتجاجات سلمية وفقاً لإرشادات الصحة العامة، وحملات على وسائل التواصل الاجتماعي.
ومن بين هذه التدابير، كانت حملات على وسائل التواصل الاجتماعي فعالة على نطاق واسع، ويرجع ذلك جزئياً إلى أن وسائل التواصل الاجتماعي تزود المدافعين عن حقوق الإنسان بمنصات ليس فقط لتعبئة الرأي العام ضد قمع الحكومة للحقوق والحريات الأساسية، ولكن أيضاً للمشاركة في جهود الاستجابة للجائحة.
على الرغم من هذه التحديات والقيود، لعبت الجهات الفاعلة في المجتمع المدني دوراً أساسياً في جهود الاستجابة للجائحة. على سبيل المثال، قامت منظمات المجتمع المدني بمبادرات للتخفيف من الآثار الاجتماعية والاقتصادية للقيود المرتبطة بالجائحة على الأفراد والجماعات المهمشة. ومن أجل تلبية احتياجات المجتمعات، عالجوا الفجوة في توفير الخدمات الأساسية في العديد من الحالات مع الحفاظ على الروابط بين الجهود المحلية والعالمية في الاستجابة للجائحة.
إن الفترة القادمة ستكون حاسمة. ومن المرجح أن تبقى العديد من القوانين والتدابير والممارسات التقييدية. يجب على الحكومات أن تنهي وتلغي التشريعات والتدابير القمعية تدريجياً. يجب إعادة دور الهيئات التشريعية لمراجعة جميع القوانين والتدابير وضمان وجود الرقابة المناسبة. ويجب على الجهات الفاعلة في المجتمع المدني، بما في ذلك المدافعون/ات عن حقوق الإنسان، الاستمرار بشكل منهجي في مراقبة وتوثيق التدابير المتعلقة بـكوفيد 19 التي تنتهك حقوق الإنسان، واتخاذ إجراءات قانونية بشكل استراتيجي للطعن في شرعيتها.
إن المشاركة الهادفة مع الجهات الفاعلة في المجتمع المدني من شأنها أن تضمن استخدام قيود حالة الطوارئ المرتبطة بـكوفيد 19 للاستجابة لحالات الطوارئ الصحية العامة المشروعة وعدم استخدامها لإسكات الأصوات الناقدة والمعارضة.
الآراء الواردة في هذا التعليق تمثل آراء المعدين. ولم تتم مراجعتها أو الموافقة عليها من قبل مندوبي أو مجلس إدارة نقابة المحامين الأمريكية وعليه، لا ينبغي تفسيره على أنه يمثل موقف النقابة أو أي من الهيئات التابعة لها.